الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حول العذر بالجهل والتقصير في طلب العلم

السؤال

أرجو من فضيلتكم بسط الشرح في مسألة العذر بالجهل وبيان حدود التقصير في التعلم، فأنا أعيش في بيئة مسلمة لكنها في غفلة شديدة وغير ملتزمة بالأمور الشرعية، وكنت في سنوات البلوغ الأولى أعتمد على والديّ، وبعد ذلك على ما أقرؤه أو أسمعه، ولم أعرف طريق العلماء وطلب العلم إلا متأخرًا، فاكتشفت أشياء تفسد عبادتي من صيام وصلاة عن السنوات الماضية.
ولا أستطيع أن أتعلم كل الأمور مرة واحدة في العقيدة والطهارة والصلاة مما يسبب لي قلقًا شديدًا في العبادات والمعتقدات خوفًا من ارتكاب أخطاء تهدم ما أفعله فأظل في دائرة الإعادة إلى ما لا نهاية؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما دامت السائلة تجتهد في تصحيح عبادتها بطلب العلم الواجب، فلا بأس عليها إن شاء الله، وأما ما فاتها بسبب الجهل، فهي فيه معذورة ولا إعادة عليها، لكونها نشأت في بيئة وصفتها بكونها "في غفلة شديدة وغير ملتزمة بالأمور الشرعية". وأنها مع ذلك كانت تعتمد على ما تقرؤه أو تسمعه من العلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من لم يعلم الوجوب فإذا علمه صلى صلاة الوقت وما بعدها ولا إعادة عليه. كما ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي المسيء في صلاته: "ارجع فصل فإنك لم تصل" قال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني ما يجزيني في صلاتي، فعلمه صلى الله عليه وسلم، وقد أمره بإعادة صلاة الوقت ولم يأمره بإعادة ما مضى من الصلاة مع قوله: " لا أحسن غير هذا ". وكذلك لم يأمر عمر وعمارا بقضاء الصلاة، وعمر لما أجنب لم يصل وعمار تمرغ كما تتمرغ الدابة، ولم يأمر أبا ذر بما تركه من الصلاة وهو جنب، ولم يأمر المستحاضة أن تقضي ما تركت مع قولها: إني أستحاض حيضة شديدة منعتني الصوم والصلاة. ولم يأمر الذين أكلوا في رمضان حتى تبين لهم الحبال البيض من السود بالإعادة. اهـ.
وراجعي لمزيد الفائدة عن ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 19939، 104802، 50379.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن العذر بالجهل في العقيدة والأحكام الفقهية، فأجاب على سبيل الإجمال فقال: لدينا آيات من القرآن وأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن الإنسان معذور بالجهل في كل شيء، لكن قد يكون مقصراً في طلب العلم فلا يعذر، وقد تبلغه الحجة ولكنه يستكبر ويستنكر فلا يعذر في هذه الحال ـ ثم ذكر طرفا من الأدلة، ثم أشار إلى ضابط التقصير في طلب العلم فقال ـ : قد يكون الإنسان مقصراً بطلب العلم، بحيث يتيسر له العلم ولكنه لا يهتم به ولا يلتفت إليه. اهـ.
وقد سبق لنا بيان الخطوط والآداب الأولية للمبتدئ في طلب العلم، وذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 20215، 4131، 18607.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة