الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ترك سعي الحج جهلا ثم اعتمر فهل يجزؤه سعي العمرة

السؤال

هل يجزئ تكرار العمرة بعد طواف الإفاضة عن ترك سعى الحج جهلا؟
رجل حج متمتعا فأحرم بعمرة من الميقات فطاف وسعى وقصر وتحلل ووكل بنك الراجحي عنه في الهدي ثم أحرم بالحج من مكة في الثامن من ذي الحجة فوقف بعرفة وبات بمزدلفة ورمى الجمرة الكبرى وحلق يوم النحر وتحلل التحلل الأول فخلع لباس الإحرام وبات بمنى ورمى الجمرات أيام التشريق الثلاث وطاف الإفاضة ليلة الرابع عشر في ملابس الحل وظن أنه أتم الحج والعمرة لله فأحرم بعمرة مكررة من التنعيم وأتى بأعمالها وتحلل ثم طاف الوداع وسافر وأتى أهله وبعد حوالي سنة تنبه إلى أنه جهل العودة لإحرامه بعد التحلل الأول عندما أخر طواف الإفاضة عن غروب شمس يوم النحر كما تنبه إلى تركه سعي الحج جاهلا أو ناسيا فأمسك على ما بقي من إحرامه بعد علمه بذلك. ويسأل عما إذا كانت أعمال عمرته المكررة التي أحرم بها من أدنى الحل بعد طواف الإفاضة وقبل الخروج من مكة لما فيها من طواف وسعي تجزئ عن ترك سعى الحج وتقع متممة لحجه على اعتبار أن إحرامه بها قد يقع لغوا لتلبسه وقتها بإحرام الحج حتى يتمه بالسعي أم ماذا يتعين عليه عمله حتى يكون حجه صحيحا وتاما ؟ جزاكم الله عنا خير الجزاء ونفع بكم المسلمين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد تضمن سؤالك مسألتين هما: تأخير طواف الإفاضة عن غروب شمس يوم النحر ونسيان سعي الحج.

أما المسألة الأولى: فهي مما لا حرج فيه بالإجماع، وإنما أتت الشبهة في هذه المسألة من جهة الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود وغيرهما عن أم سلمة رضي الله عنها وفيه أن من غربت عليه الشمس من يوم النحر ولم يكن طاف طواف الإفاضة عاد محرما، وهذا الحديث وإن صححه بعض أهل العلم المعاصرين لكنه معلول إسنادا ومتنا، وقد انعقد الإجماع على خلاف ما دل عليه، وبيان ذلك أن في إسناده محمد بن إسحاق وهو وإن كان صدوقا لكن حديثه في الأحكام ليس كحديثه في المغازي والتي هو إمام فيها، وقد نص على ذلك الحفاظ الجهابذة، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قيل لأبي يحتج به يعني ابن إسحاق: قال: لم يكن يحتج به في السنن.

وقيل لأحمد: إذا انفرد ابن إسحاق بحديث تقبله؟ قال لا، والله إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا. انتهى من سير أعلام النبلاء.

وقال أحمد: وأما ابن إسحاق فيكتب عنه هذه الأحاديث - يعني المغازي ونحوها- فإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا قال أحمد ابن حنبل بيده وضم يديه وأقام الإبهامين. انتهى من تاريخ ابن معين.

وقال الذهبي في السير: وأما في أحاديث الأحكام فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحسن إلا فيما شذ فيه فإنه يعد منكرا.

وقال الذهبي في العلو: وابن إسحاق حجة في المغازي إذا أسند وله مناكير وعجائب. اهـ.

وقد انفرد ابن إسحاق بهذا الحديث ولم يتابع عليه وهو في باب الأحكام كما لا يخفى، وهذه علة كافية لتوهينه فضلا عن شذوذه ونكارته وانعقاد الإجماع على خلافه.

قال العيني في عمدة القاري: فإن قلت كيف الجمع بين حديث الباب وبين الحديث الذي رواه أبو داود من حديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن هذا اليوم أرخص الله تعالى لكم إذا رميتم الجمرة أن تحلوا يعني من كل شيء حرمتم إلا النساء فإذا أمسيتم قبل أن تطوفوا صرتم حرما كهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة حتى تطوفوا به ففي هذا الحديث أن من أخر طواف الإفاضة حتى أمسى عاد محرما كما كان قبل رمي الجمرة يحرم عليه لبس المخيط وغيره من محرمات الإحرام، قلت: حديث أم سلمة هذا شاذ أجمعوا على ترك العمل به، وقال المحب الطبري وهذا حكم لا أعلم أحدا قال به وإذا كان كذلك فهو منسوخ، والإجماع وإن كان لا ينسخ فهو يدل على وجود ناسخ وإن لم يظهر.

وأما المسألة الثانية فاعلم أولا أن الصحيح والصواب أن المتمتع يجب عليه سعيان خلافا لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقد ذكرنا دليل ذلك في الفتوى رقم: 57077، وما ذكرته من أن إحرام هذا الرجل بالعمرة لم ينعقد كلام صحيح وذلك لأنه ما زال محرما بالحج لم يتحلل منه بعد، وعلى هذا فطوافه لها وقع نفلا وسعيه وقع عن حجته فلا شيء عليه إذن، وقد رجح العلامة الشنقيطي أن النية ليست شرطا في الطواف والسعي، وتابعه العلامة العثيمين، ورجح أن نية تعيين النسك ليست شرطا، وبهذا يزول الإشكال إن شاء الله.

قال الشيخ العثيمين رحمه الله في الشرح الممتع على زاد المستقنع: والصحيح أن الطواف والسعي لا تشترط لهما النية لأن الطواف والسعي جزء من عبادة مكونة من أجزاء فتكفي النية في أولها كالصلاة بدليل أن المصلي لا يشترط أن ينوي الركوع ولا السجود ولا القيام ولا القعود فليس الطواف شيئا مستقلا ويقال أيضا إذا كنتم لا تشترطون النية في الوقوف وهو أعظم أركان الحج حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم الحج عرفة. فما مثله أو دونه من باب أولى، وهذا القول هو الذي رجحه الشنقيطي في تفسيره وهو الصواب وفيه مصلحة للناس، لأن كثيرا من الناس عند الطواف لو سألته ماذا نويت في الطواف قال: نويت الطواف وليس على باله أنه للحج أو للعمرة لكنه متلبس بالحج وعلى رأي من يشترط النية طوافه غير صحيح وعلى القول الثاني طوافه صحيح إذن نحذف كلمة أو نيته لأنه ليس هناك ركن تشترط فيه النية والإحرام هو نية النسك، وسبق أنه لا ينعقد النسك بفواته والوقوف لا يشترط له نية وعليه فلا تشترط نية التعيين. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة