الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

إن شاء الله سوف أذهب لأداء العمرة بعد أسبوعين، وقد اشتريت لبس إحرام يتضمن (شورت) غير مخيط لارتدائه تحت لبس الإحرام. فهل يصح لبس هذا الشورت أم لا...؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلم أن المخيط من الثياب المنهي عنه في الإحرام هو ما كان محيطا بالعضو، وليس ما يفهمه كثير من الناس من كونه مشتملا على خياطة. وهذا الذي سميته بالشورت، تنطبق عليه هذه الصفة لا شك، ولهذا منعه جمهور العلماء وهو المعروف عند أهل العلم بالتُبّان. وعامة أهل العلم على المنع من لبسه، ورويت إجازته عن عمار بن ياسر وعائشة رضي الله عنها.

قال البخاري – رحمه الله – في صحيحه: باب الطيب عند الإحرام وما يلبس إذا أراد أن يحرم... ولم تر عائشة رضي الله عنها بالتُبَّانِ بأساً للذين يرحلون هودجها. انتهى
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله: وقد وصل أثر عائشة : سعيد بن منصور ، من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة :
أنها حجت ومعها غلمان لها ، وكانوا إذا شدوا رحلها يبدو منهم الشيء ، فأمرتهم أن يتخذوا التبابين ، فيلبسونها وهم محرمون. وفي هذا رد على ابن التين في قوله: أرادت النساء ؛ لأنهن يلبسن المخيط ، بخلاف الرجال ، وكأن هذا رأي رأته عائشة ، وإلا فالأكثر على أنه لا فرق بين التبان والسراويل في منعه للمحرم . انتهى من فتح الباري.

والصواب المنع من لبس التبان لأنه مخيط على قدر العضو فهو في معنى السراويل التي ثبت النهي عنها، قال ابن القيم رحمه الله: قال المزني: الفقهاء من عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا وهلم جرّاً استعملوا المقاييس في الفقه في جميع الأحكام في أمر دينهم.
قال : وأجمعوا بأن نظير الحق حق ، ونظير الباطل باطل ، فلا يجوز لأحد إنكار القياس ، لأنه التشبيه بالأمور والتمثيل عليها ... ومن ذلك : نهي النبي صلى الله عليه وسلم المُحرم عن لبس القميص والسراويل والعمامة والخفين ، ولا يختص ذلك بهذه الأشياء فقط ، بل يتعدى النهي إلى الجباب والأقبية والطاقية والجوربين والتبان ، ونحوه.
انتهى باختصار.

وحمل بعض العلماء أثر عائشة على حال الضرورة، فيجوز للمحرم أن يلبس التبان إذا اضطر لذلك، وأما في حال السعة والاختيار فيحرم عليه لبسه كما ذكرنا. قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: وما ذُكر عن عائشة رضي الله عنها ظاهره أنها إنما رخّصت في التبان لمن يُرَحِّل هودجها لضرورة انكشاف العورة ، وهو يدل على أنه لا يجوز لغير ضرورة ، والعلم عند الله تعالى . انتهى.

وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: عن لبس المحرم للتبان ، لأنه إذا لم يلبسه لحقه ضرر .
فأجاب : إن خاف أن يلحقه ضرر فلا بأس أن يلبسه ، ولكن إن حَصَّل أن يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع فهو أحسن. انتهى.

وقوله أولى وأحوط، ومسألة ستر العورة ميسورة بحمد الله تعالى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة