والدي لا يحسب حسابا للمال فماذا أفعل؟

0 458

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم

حقيقة أود أولا شكركم على مجهودكم الكبير في مساعدة عامة المسلمين، وأهنئكم بحلول شهر رمضان الكريم، كل عام وأنتم بخير، وأنتم من وجهة نظري الشخصية -وأعتقد أنها وجهة نظر كثير ممن راسلكم من قبل- كنتم نبراسا يضيء في هذه الشبكة ليسعد عامة المسلمين، فجزاكم الله كل خير.

أنا شاب من مصر, أبلغ من العمر 26 عاما، لا أعلم من أين بدأت المشكلة، ولا أدري إن كانت هذه المشكلة هي مشكلتي أنا الشخصية أم أنها مشكلة والدي؛ الذي بلغ من العمر 70 عاما، وحقيقة أود منكم أن يتسع صدركم لفهمها بالكامل، وهذا لثقتي الكاملة بكم.

أولا: حينما أبصرت الحياة وجدت نفسي ولدا وحيدا مع ثلاث بنات, وهن أكبر مني سنا، وكانت حالتنا المادية مرتفعة جدا, فأبي في منصب مرموق, كما أن لدينا كثيرا من الأملاك، وجدت نفسي مدللا لدرجة كبيرة، كان بيتنا يمتلىء بالضيوف، وجدت أن بيتنا هو أكثر بيت كرما في قريتنا، أبي وأمي يعطوا جميع من يسأل, ولا يحسبون للمال حسابا, ولا يحسبون لمستقبل أولادهم حسابا.

ثانيا: مع مرور الزمن وعندما وصلت لسن 18 عاما، وفي مرحلة دخولي للجامعة كانت الكلية التي أريد الالتحاق بها تطلب رسوما عالية بعض الشيء، فهي جامعة خاصة, لأنني لم أحصل على مجموع كبير يدخلني الجامعة الحكومية، وفوجئت بأن أبي يقول لي إني لا أستطيع دفع هذه المصاريف لأنه ليس لدي مال يكفي، فتحمل أخي لأمي مصاريفي طوال 5 سنوات في الكلية برغبته هو.

ثالثا: منذ بداية مرحلة الطفولة وحتى وصولي للجامعة وأنا أسمع انتقادات من أقاربي, وأبناء عمومتي, وأبناء أخوالي, وهذه الانتقادات عبارة عن استهزاء من طريقة تصرف أبي بماله, فهو لا يستثمره, ولا يكتنزه, ولا يحسب للمال حسابا, ولا يحسب لمستقبل أبنائه حسابا، وينفق هنا وهناك, فهو يعشق الحياة, ويغتر بزينتها، يحب السفر، يستطيع التنازل عن حقه المالي إذا كان هذا يحول دون الصدام بينه وبين أحد، فهو يفكر فقط في يومه الذي يعيشه, لا يفكر مطلقا في غده.

رابعا: عندما وصلت للسنة الثانية في الكلية التي أدرس بها وكان عمري أنذاك 20 عاما، أصبت بالقلق الشديد والخوف الشديد، وبعد معاناة انتهى تشخيص الأطباء أني مصاب بقلق ومخاوف، قدم أخي -أخي لأمي- كل شيء, ودفع تكاليف علاجي, وما تطلبه العلاج من سفر وغيره, لمدة عامين كاملين، وكان أبي ضعيف الشخصية لا يملك إلا أن يلومني على مرضي ويتهمني أني ضعيف, ولا أقدر على المواجهة وغير ذلك.

خامسا: عندما تخرجت من الكلية وكنت فى سن 22 عاما، لم أجد عملا، وكان أبي طوال حياتي يعدني بالحياة الوردية, وأنه سوف يفعل ويفعل لي، وكان هو من يقوم بتقديم فرص العمل للآخرين دون مقابل, وها هو الآن لا يستطيع أن يجد لابنه فرصة عمل.

سادسا: كانت الفاجعة بالنسبة لي عندما قال لي أخي لأمي إن هذا هو حال أبيك طوال حياته، ينفق هنا وهناك ولا يدخر شيئا، يساعد الناس جميعا, وعندما يريد مساعدتهم لا يجدهم، يضيع كل ما يملك هباء, ولا يحسب حسابا لمستقبل أبنائه.

اندهشت أكثر لما علمت من والدي قدر الأملاك التي ورثها من والده, والتي قام أيضا بإضاعتها, وزاد هذا عندما علمت من أخي أن أبي يقوم بالاقتراض من أقاربه ومن البنوك؛ لسد مصاريف المنزل، مع أن منزلنا ليس بحاجة لكل هذه الأموال، فيكفيه راتب والدي، وقد وصلت هذه المبالغ المقترضة حدا كبيرا.

سابعا: أنا وأخواتي لا ننكر أبدا أن أبانا كان كريما معنا لأبعد الحدود، وكان يصرف علينا ببذخ، ولكن أنا الآن ألومه على سوء تصرفه في إدارة أملاكه، وعدم ادخار شيئا لنا عندما كبرنا.

ثامنا: بعد علمي بكل ما سبق, وتضافر جهودي وجهود أخي وأخواتي؛ قمنا بسداد كل هذه المبالغ.

تاسعا: أنا الآن دائم التفكير في هذه الأشياء، فكري دائما مشغول بوالدي، أقول لنفسي لماذا أبي فعل هذا؟ لماذا لم يدخر شيئا لنا؟ لماذا كان يتصرف بهذه السذاجة؟ وقال لي أخي إن أباك مريض نفسيا.

أقول لو أن هذا المال موجود الآن، ودائما ألمح بهذا في حديثي معه وألومه، مع إحساسي أن الناس كانوا يعاملونا فقط من أجل أن يحصلوا على مصالح شخصية لهم، فكرهت أقاربي, وكرهت الناس، ماذا أفعل هل أبي بالفعل مريض نفسيا؟ وماذا أفعل في نفسي؟ فقد تعبت من كثرة التفكير ولوم نفسي، فقد أصابني القلق, ولا أشعر بمتعة في الحياة.

أفيدوني أفادكم الله, ماذا علي أن أفعل؟ فأنا في ضجر كبير, أشعر أن حياتي تتساقط, وأحلامي تنتهي, وأبي يسقط من نظري.

أرجو الإجابة على استشارتي من الدكتور محمد عبد العليم، جزاه الله خيرا.

ولكم مني كل المحبة والشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ شريف جمال حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

إن حالة القلق والتوتر الذي تعاني من الواضح أنها دليل على عدم قدرتك على التكيف مع ما يجري في محيطك من أحداث حياتية خاصة الشؤون المالية وكيفية إدارة الوالد لها، وبعد ذلك ما قاله أخيك من أمك، وأرى أنه لديك عوامل مرسبة في شخصيتك، وأعني بذلك أنك قابل للتأثر السريع، ولديك الاستعداد للقلق والحساسية، وإن شاء الله تعالى هذه لا تعتبر علة، هذه سجايا وسمات لشخصيتك، والناس تتفاوت في درجة استعدادها لتخزين القلق أو إظهاره.

بعد ذلك أتت هذه الظروف الحياتية: العيش الرغد في بداية الأمر، ثم بعد أن بدأت في مراحل التعليم الجامعي الجاد اصطدمت بأن الوالد لا يستطيع أن يسدد لك المبلغ المطلوب، وقام أخيك –جزاه الله خيرا– بتكفل هذا، وبدأت هنا شخصيتك تتكون في ظلال هذه التناقضات الموجودة حولك، وهذا بالطبع جعلك تتساءل داخليا ما هو دورك أنت؟ كيف يمكن أن تساعد؟ هل ما يحدث حولك صواب؟ من هو المخطئ؟

هذه أسئلة معقولة ومقبولة ويجب أن ترد في مثل هذه الأحوال، فأصبحت أنت تحس بهذه الحالة القلقية التي أفقدتك المتعة في الحياة كما ذكرت, لكن من وجهة نظري يجب أن تتذكر أمرا بسيطا جدا، وهو أن الأيام السيئة -إن شاء الله تعالى– قد انقضت تماما، وأنت الآن في مرحلة عمرية بدأت تبزغ لديك بوادر النضوج الفكري والمهني، ولديك الحمد لله تعالى التزود الأكاديمي، مهارات الحياة التي اكتسبتها لا شك أنها سوف تعينك كثيرا في تسيير أمور حياتك.

أعتقد أن هذا هو الرصيد الأكبر الذي تتمتع به الآن، وهو رصيد ليس بالسهل.

فيما يخص والدك ومنهجيته: أنا بكل تقدير واحترام لوالدك الكريم أقول إن هذا المنهج ليس منهجا صحيحا، المال له ضوابطه, والنعم يجب أن تحفظ, ويجب أن تقدر، ونعم المال الحلال للرجل الصالح، لكني لا أستطيع أن أقول إن والدك مريض نفسيا، أعتقد هذا يكون فيه نوع من الإجحاف في حقه، فأنا لم أقم بفحصه ولم أقم بمعاينته، وأعرف أن بعض الناس قد يسيؤون حسن تدبير المال لعدم استشعارهم بأهميته، والبعض يأخذ الأمور بشيء من الفوضوية، بعضهم قد يكون لديهم شيء من السفه، أقصد بالسفه سفه المال بمفهومه الشرعي وليس السفه السلوكي.

عموما أعتقد أن النقطة الارتكازية التي ذكرتها لك هي المهمة، وهو أنك الآن في وضع قوي، وذلك بناء على مميزاتك الشخصية ومهاراتك التي اكتسبتها، وأعتقد من خلال التناصح, ومن خلال الروية, والتدبر, والصبر, والبحث عما هو إيجابي, ومحاولة تدعيمه, والتغاضي عن السلبيات؛ تستطيع أن تعيش حياة طيبة.

ما ذكره لك أخوك أرجو ألا تأخذه بحساسية شديدة، ربما لم يجد أي نوع من التفسير حتى يقوله لك، كان هذا هو الشيء الوحيد الذي يستطيع أن يقوله، فلا تأخذ الأمر بحساسية، خاصة أن هذا الأخ –جزاه الله خيرا– كانت له مواقف مشرفة جدا معك.

لا تضجر، لا تتكدر، الحياة طيبة، وأنا من وجهة نظري أن انشغالك بوالدك هو أمر طيب ومشروع، ويجب أن يكون ذلك مدعوما أيضا بالبر به, والتناصح معه، وأن تجاهد أنت أيضا وتثابر من أجل أن تعيش حياة طيبة من جميع النواحي, ليس هنالك ما يجعل أحلامك تتساقط، أعتقد أن أحلامك قد بدأت الآن، لأنك في سن كلها طاقات نفسية وجسدية، واجتهد، وضع لنفسك أهدافا معقولة، وأسأل الله أن يوفقك، ولا تكن حساسا حول الأمور، خاصة الأمور الحياتية التي قد لا يكون لديك سيطرة كاملة فيها، اقبل الناس كما هم لا كما تريد، خاصة والدك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات