والدي مقتنع أنه دائما على صواب ما الحل؟

0 329

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشكلتي: أنني لا أستطيع أن أتقبل والدي, فهو لا يقتنع برأيي أو رأي أي أحد من إخوتي، بل يصر دائما على أن يفرض رأيه حتى في تفاصيل صغيرة، أصبحت لا أطيق التحدث وتوضيح الأمور معه؛ لأنني فقدت الأمل, ووصلت إلى قناعة من أن كلامي سيكون بلا فائدة.

ماذا أفعل؟ لا أحب أن أعيش بهذه الطريقة، لا أحب أن يحركني أحد كالإنسان الآلي، ولا أحب أن أعصي الله سبحانه وتعالى.

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Wael حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلا وسهلا ومرحبا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يجعلك من الصالحين، وأن يعينك على بر والديك، وأن يجعلك من سعداء الدنيا والآخرة.

بخصوص ما ورد في رسالتك -أخي الكريم الفاضل– فإنه مما لا شك فيه أن هذه التصرفات تصرفات مزعجة للغاية؛ لأن الإنسان عندما يشعر بأن هناك من يصادر رأيه ولا يحترم وجهة نظره يشعر بأنه كما لو كان مقيدا بالسلاسل والأغلال، ولكن هناك أمر آخر، وهو أن والدك مما لا شك فيه عمره يصل إلى الخمسين وقد يزيد على ذلك، معنى كلامي أنه من المتعذر أن نأمره بأن يتخلى عن هذه الأشياء التي نشأ وترعرع عليها منذ خمسين عاما؛ لأنها أصبحت جزءا من مكوناته الشخصية مع الأسف الشديد.

نحن عادة ما نتأثر بالتربية الأولى منذ نعومة أظفارنا، فلعل والدك كان ضحية لتربية هذا شأنها؛ لأنه من أين يأتي بهذه المصادرة للآراء؟ ومن أين يأتي بعدم الاقتناع بالقول الآخر؟ هذه أمراض نشأت معه منذ نعومة أظفاره، ولذلك نجد أن أهم مرحلة من مراحل التربية مرحلة الطفولة المبكرة؛ لأن هذه تشبه الأساس بالنسبة للبناء، فوالدك لعله تعرض في هذه المرحلة الأولى من عمره لهذا النوع من أنواع السلوك، ولذلك شب عليه ونشأ، حتى أصبح أبا لأبناء وربا لأسرة، ولم يستطع أن يتخلص من هذه العادة، وفي نفس الوقت أيضا ما زال مصرا على ذلك.

لذا أقول لك: إن تغيير والدك من الأمور الصعبة، أنا لا أقول مستحيلة، ولكن أقول صعبة، لماذا؟ لأنه لم ولن يقبل منك أن تغير سلوكه؛ لأنه يرى أن ذلك يمثل نوعا من التطاول على شخصيته، ولذلك الحل يكمن بداية في الصبر الجميل، واحتساب الأجر على الله تبارك وتعالى، والاجتهاد في الدعاء أن يرزقك الله محبته، وأن يعينك على الصبر عليه؛ لأن هذا أمر -كما ذكرت لك- من المتعذر أو من الصعب تغييره، خاصة بعد هذه المرحلة من السن.

الأمر الثاني: إن كان ولا بد فلا مانع من الاستعانة بمن يستطيع أن يكلم والدك، وذلك مثلا: كالوالدة، أن تتكلم معه، وأن تبين له أن أبناءك قد كبروا، وأنهم في حاجة إلى إدارة علاقة عن طريق الحوار الهادئ، وأن تستمع إلى وجهة نظرهم.

إن استطاعت أن توصل رسالة وأن تفتحوا باب الحوار مع والدك، أعتقد أننا بذلك نكون قد كسبنا كثيرا.

كذلك إذا لم يتيسر ذلك لأمك فمن الممكن الاستعانة بأحد أصدقاء الوالد، أو أقاربك من أعمامك أو من أخوالك ممن لهم كلمة عند الوالد، وعرض الأمر عليه، وبيان أن هناك مشكلة في التحاور والتشاور والتفاعل داخل البيت، وأن هذه المشكلة أساسها إصراره على رفض رأيه حتى في كل صغيرة وكبيرة، مما ترتب عليه عدم رغبتكم في إدارة الحوار معه، حتى لا تشعروا بنوع من الظلم أو الجور.

إذا أقول: عليك بالصبر أولا، عليك بتوصية الأم ثانيا، عليك بالبحث عن شخصية مقبولة تحدث والدك.

إذا لم يتيسر ذلك كله فأنا أرى أن تجلس مع والدك وأن تقول له: (اسمح لي أريد أن أتكلم معك كلمة من قلبي، وأرجو أن يتسع صدرك لها) وتكلم معه، إذا كان إخوانك يعانون كما تعاني أنت فاجتمعوا جميعا وتكلموا معه، وقولوا: (يا والدنا نحن نحبك ولا نريد أن نعصيك أو نخالف أمرك، ولكن هذا التصرف حقيقة يجعلنا نشعر بنوع من عدم التواصل معك؛ لأنك دائما تحرص على وجهة نظرك ولا تستمع إلينا، وهذا يصيبنا بنوع من الإحباط واليأس، ونحن نخشى أن تتسرب الكراهية إلى قلوبنا ونحن لا ندري).

حاولوا أن توصلوا رسالة له، إذا لم تستطع بالمباشرة بالكلام، من الممكن أن تكتبوا رسالة أنت وإخوانك أيضا هادئة ولطيفة، فيها نوع من العتاب، وقدموها له، لعله يفتح معكم باب الحوار أو النقاش، وبذلك أعتقد أننا سنصل إلى حل للمشكلة -بإذن الله تعالى–.

لكن في جميع الأحوال أتمنى أن تلتزم الصبر الجميل أنت وإخوانك؛ لأنه ليس أمامكم من خيار، ومحاولات التغيير قد تكون صعبة جدا، كما ذكرت رجل نشأ هذه الفترة كلها من عمره ويرى أنه هو الموفق وهو المسدد وصاحب الرأي السديد والرشيد، ولذلك لا يقبل منك باعتبار أنك ابن من أبنائه وأنك طفل صغير بالنسبة له، حتى ولو بلغت من العمر ما بلغت.

الدك ضحية تربية خاطئة، ولذلك يجب علينا أن نصبر عليه وأن نحتسب الأجر عند الله تعالى، وأن ندعو الله تعالى أن يصلحه، وأن يصلحنا أيضا، وأن يرزقنا الصبر والثبات، وأن يعنا على احتوائه والصبر عليه، لعل ذلك أن يكون سببا -إن شاء الله تعالى– في تغيير واقعه.

هذا وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات