التألم من الذنب والخوف من عدم قبول التوبة يملؤني، فما الحل؟

0 5

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

منذ فترة كنت أبتلى بذنب أمارسه في الخفاء، وكنت أتوب وأستغفر، ثم أعود إليه، حتى جاء يوم وأنا أقع في هذا الذنب، فشعرت فجأة وكأن روحي بلغت الحلقوم، وحدث ضعف مفاجئ في بصري، ثم نطقت: "الله أكبر"، فخف هذا الشعور.

بعد ذلك بدأت أعاني من نوبات متكررة أشعر فيها وكأن روحي ستقبض، واستمرت تلك الحالة حوالي 15 يوما، ثم خفت، بعدها بدأت أقرأ عن التوبة وشروطها، لكن داخلي سؤال يؤرقني: هل تقبل التوبة عند شعور العبد بنزول العقوبة؟ وهل ما حدث لي هو عذاب من الله؟ وكيف يمكن أن يعذب الله عبدا يستغفر؟

أنا الآن في اليوم الأربعين من تلك الحادثة، وما زلت أعاني من أعراض غريبة، ويملأني الخوف من أن الله لن يقبل توبتي، كما جاء في نهاية سورة غافر، لكنني أريد أن أفهم: هل هذا الوعيد يخص الكفار فقط؟ وهل يصيب العذاب أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-؟

أشعر بالقلق الشديد وأتساءل: هل ما أعانيه هو عذاب من الله، أم مجرد ابتلاء أو عقوبة على الذنب؟ وهل هناك أمل في أن تقبل توبتي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بكم في استشارات (إسلام ويب)، وإنا لنرجو الله أن يبارك فيكم، وأن يحفظكم بحفظه، وبعد:

فما ورد في رسالتكم من تألم بعد الذنب، ووجل من عدم قبول التوبة، وخوف من العذاب، هو في حقيقته علامة لحياة القلب لا موته، ودليل يقظة لا قسوة، فإن القلب إذا استشعر الخوف بعد الزلل، وتاقت النفس إلى الرجوع، كانت هذه بداية العودة، ومطلع القبول -بإذن الله-.

واعلم -حفظك الله- أن الله -عز وجل- ما فتح باب التوبة لعباده إلا ليقبلهم، وما أمرهم بالاستغفار إلا ليغفر لهم، وقد قال سبحانه: ﴿وٱلذين إذا فعلوا۟ فـٰحشة أو ظلموٓا۟ أنفسهم ذكروا۟ ٱلله فٱستغفروا۟ لذنوبهم ومن يغفر ٱلذنوب إلا ٱلله ولم يصروا۟ علىٰ ما فعلوا۟ وهم يعلمون﴾ [آل عمران: 135].

وما دمت قد وقفت على باب التوبة نادما، باكيا، خائفا، فإن الله أكرم من أن يردك، وهو الذي قال: ﴿إن ٱلله يحب ٱلتوٰبين ويحب ٱلمتطهرين﴾ [البقرة: 222].

وأما ما ذكرت من عوارض شديدة، وشعور بالخوف والموت، ونوبات متكررة، فليست عذابا بالمعنى الذي نزل بالكفار، بل هي -في الأغلب- ابتلاء أو عقوبة للتنبيه لا للإهلاك، أو أثر نفسي نتيجة تأنيب الضمير، وغلبة الوسوسة، وصدق الخوف.

وقوله تعالى في آخر سورة غافر: ﴿فلم يك ينفعهم إيمٰنهم لما رأوا۟ بأسنا﴾، هو في حق من آمن بعد معاينة الهلاك، كفرعون ومن شابهه، لا في حق من أذنب ثم تاب قبل فوات الأجل.

واعلم أن العذاب لا ينزل على من تاب وأناب، وقد قال الله تعالى: ﴿وما كان ٱلله ليعذبهم وأنت فيهم ۚ وما كان ٱلله معذبهم وهم يستغفرون﴾ [الأنفال: 33]، فثق في الله وكن على يقين أن الله لا يعذب مستغفرا باكيا، يرجو رحمته، ويخاف عذابه.

وإليك -رعاك الله- خطوات عملية للخروج من هذا الحال والنجاة:

1. طمأنة النفس أن التوبة مقبولة: ما دامت لم تبلغ الروح الحلقوم حقا، ولم تطلع الشمس من مغربها، فباب التوبة مفتوح، فاستعن بالله ولا تيأس من رحمته.
2. التوبة النصوح بشروطها، وهي: الإقلاع عن الذنب، والندم، والعزم على عدم العود، فإن عدت، فتب من جديد، فالله لا يمل حتى تمل.
3. المداومة على الاستغفار دون وسوسة: قل: "أستغفر الله وأتوب إليه" بيقين، دون إفراط في الخوف، ودون تدقيق مرضي في ألفاظ القبول أو عدمه.

4. حفظ الخلوات: أغلق باب الخلوة الذي كان مدخلا للذنب، واملأ وقتك بطاعة، ولا تكن وحدك طويلا.
5. الاشتغال بالقرآن والدعاء: اجعل لك وردا يوميا، وادع بهذا الدعاء: *"اللهم طهر قلبي، واغفر زللي، وثبتني بعد الذنب، وأدخلني في عبادك التائبين الصادقين."
6. الاطمئنان أن ما يصيبك ليس عذابا مهلكا: ما دمت تستغفر وتتوب، فهذا ليس عذاب استئصال، بل لعله تنبيه رحيم، أو أثر نفسي يحتاج إلى تهدئة ومساندة نفسية وروحية.
7. إن شعرت باستمرار الأعراض الغريبة جسديا أو نفسيا: فلا بأس بمراجعة طبيب نفسي موثوق، فبعض الوساوس تشتد حتى تحدث أعراضا عضوية، والعلاج لا يتعارض مع الإيمان بل يعينه.

نسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، ويطهر قلبك، ويثبتك على طاعته، وأن يجعلك من التوابين المتطهرين، إنه سميع قريب مجيب.

وبالله التوفيق.

مواد ذات صلة

الاستشارات