الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لم أعد أستطيع مقابلة أحد غير زوجي وأولادي، فما تشخيصكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

أود أولًا أن أقدّم لكم خالص شكري وتقديري لعملكم النبيل، وأرجو من الله أن يجزيكم خير الجزاء.

منذ شهرين أعاني من عدم القدرة على لقاء عائلتي، بما في ذلك والدتي، ولا أستطيع الرد عليهم، أو قراءة رسائلهم على الهاتف، كما أنني لا أفتح الباب لأحد غير زوجي وأولادي، وإذا رن الهاتف أو دق الباب أحد غير زوجي وأولادي، أصاب (بفجعة)، حيث ترتفع دقات قلبي، وأتعرق، وأشعر بحرارة وضيق وألم في الرأس، وفشل وتنميل.

هذا الوضع أرهقني إلى حد أنني لم أعد أستطيع استقبال عائلتي أو عائلة زوجي، ولا زيارتهم، ولا الخروج خوفًا من لقاء المعارف، وأصبحت عصبية ومتقلبة المزاج، وأحيانًا أرغب في البقاء وحدي.

سبق أن أصبت باكتئاب وقلق وتوتر ونوبات هلع منذ حوالي سبع سنوات، وقد شفيت منها بمساعدة زوجي واتباع نصائحكم، بالإضافة إلى الأدوية التي تصفونها لحالات مشابهة.

وبعد عامين من التوقف عن الأدوية، حملت، وخلال فترة حملي، التي كانت صعبة، أصبحت أحيانًا أنزعج من زيارة العائلة ومن التواصل بالهاتف.

وبعد الولادة بدأ الأمر يتزايد تدريجيًا إلى أن وصل ذروته هذا الصيف، حيث تضاعف الانزعاج، وأصبحت عصبية جداً مع أولادي الكبار -12 عامًا-، وأحيانًا قد أضربهم بأي شيء في يدي.

خلال هذه الفترة، أصيبت ابنتي الرضيعة مرتين بالأشريكية القولونية في المسالك البولية، ما اضطر الطبيب لإعطائها دواءً قويًا عبر الوريد في المستشفى؛ نظرًا لصغر سنها آنذاك، وفي نفس الفترة توفي رضيع أختي في شهره الأول.

وأخيرًا، أحيطكم علمًا أنني منذ زمن أعاني من الخوف والفزع، حيث أخاف أحيانًا إذا بقيت وحدي، وأحيانًا في الليل، وأفزع لأبسط الأسباب، كأن يدخل عليّ أولادي المطبخ أو الغرفة دون أن أراهم، أو عند سقوط شيء وإحداثه صوتًا، أو غلق الباب بقوة.

أرغب في التخلص من هذه الاضطرابات النفسية نهائيًا، فكيف السبيل، علمًا أنني مرضعة، وابنتي الرضيعة عمرها عام وثلاثة أشهر؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الله حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية.

رسالتك واضحة جدًّا، وأقول لك: جزاكِ الله خيرًا على ثقتك بشخصي الضعيف.

أيتها الأخت الكريمة، بعد تدارس كامل لحالتك، لا شك أن لديك نوعًا من قلق المخاوف الخاص جدًّا، فأنت أصبحت لا تشعرين بأي طمأنينة إلَّا تجاه زوجك وأولادك، وهذه الحالات موجودة، وكثيرًا ما تكون قائمة على مفاهيم خاطئة، أو أن هناك مخزونات سلبية على مستوى العقل الباطني.

فنصيحتي لك أن تحقري هذه الأفكار، أن تجلسي مع نفسك وتحللي هذه المواقف، طبعًا هي مواقف سلبية، ولا تليق بكِ أبدًا، فلا تقبلي هذا النوع من الفكر وتتصرفي بناءً عليه، لا، يجب أن تصلي رحمك، وأن تقدري وتحترمي أسرتك وأسرة زوجك، فأرجو أن تنخرطي في نوع من التفكير الإيجابي، وتُحقِّري الفكر والمشاعر والأفعال السلبية حيال أسرتك أو أسرة زوجك.

هذا الكلام مهم جدًّا، وليس كلامًا نظريًا، إنما هو قائم على الدليل العلمي، نعم، الإنسان إذا حَقَّر الشيء الذي يجب ألَّا يتبعه يستطيع بالفعل أن يتخلص منه، هذه نقطة أولى.

النقطة الثانية: تعرفين أن فترة الحمل والولادة وما بعد الولادة، هي فترة هشاشة نفسية بالنسبة للكثير من النساء، مع أن ابنتك -حفظها الله- الآن عمرها سنة وثلاثة أشهر، لكن ربما لا يزال هناك شيء من هذه الهشاشة النفسية، وهذه الهشاشات النفسية من هذا النوع لا بد أنها قائمة على بناء بيولوجي، يعني أنها مرتبطة بكيمياء الدماغ مثلاً.

لذا أنا أعتقد أنه من الأفضل لك أن تتناولي أحد الأدوية المفيدة في هذا السياق، والسليمة طبعًا؛ لأنك مرضع، والدواء هو (سيرترالين - Sertraline) هذا هو اسمه العلمي، وله عدة أسماء تجارية منها (زولفت - Zoloft) ومنها (لوسترال - Lustral).

إذا اقتنعت بهذا الدواء -وأتمنى أن تقتنعي به- الجرعة هي: أن تبدئي بنصف حبة، (أي 25 ملغ) من الحبة التي تحتوي على (50 ملغ)، تتناولينها لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعليها حبة واحدة يوميًا (أي 50 ملغ) لمدة شهر، ثم تُرفع إلى حبتين، (أي 100 ملغ) يوميًا لمدة شهرين، وهذه الجرعة الوسطية المفيدة لحالتك، علمًا بأن الجرعة الكلية يمكن أن تصل إلى (200 ملغ) يوميًا، لكن أنت لست بحاجة لهذه الجرعة.

استمري على جرعة (100 ملغ) كما ذكرت لك لمدة شهرين، بعد ذلك خفضيها إلى حبة واحدة (أي 50 ملغ) لمدة ثلاثة أشهر، ثم (25 ملغ) يوميًا لمدة عشرة أيام، ثم (25 ملغ) يومًا بعد يوم لمدة عشرة أيام أيضًا، ثم توقفي عن تناول الدواء.

هذا دواء رائع وسليم وفعال وغير إدماني، ولا يُفرز في حليب الأم، أحد آثاره الجانبية أنه ربما يفتح شهيتك قليلًا نحو الطعام، أو ربما تشعرين بانجذاب أو شراهة نحو الحلويات، وفي هذه الحالة يجب أن تتخذي التحوطات التي لا تؤدي إلى زيادة في وزنك.

فإذًا -أيتها الفاضلة الكريمة- هذا هو الخط الرئيسي للعلاج، وبعد ذلك -كما ذكرتُ لك- يجب أن تدخلي في حوار ذاتي مع نفسك، تُحقِّري الفكر السلبي، وتُنمِّي الفكر الإيجابي، وتقومي بخطوات عملية وحقيقية تجاه نفسك وأسرتك: زيارات للأهل، وصلة الرحم، والسؤال عنهم، والاطمئنان عليهم، ومساعدتهم في الصغير وفي الكبير إذا كان ذلك في الاستطاعة، هذه كلها يجب أن تكون في حيِّز الطبقات العليا في تفكيرك وضمن الأولويات في الحياة الاجتماعية الأسرية، ويجب أن تستشعري أهميتها الشرعية وأهميتها الاجتماعية، وتنطلقي في الحياة.

سيكون من المهم جدًّا أن تطبقي تمارين الاسترخاء، تمارين التنفس المتدرجة، وتمارين قبض العضلات وشدها ثم استرخائها أيضًا تساعد كثيرًا ومفيدة جدًّا؛ لأن الخوف -أيًّا كان نوعه- يتغذى من القلق الداخلي والقلق المقنَّع، وطبعًا التمارين الاسترخائية تُفيد في هذا السياق.

أيضًا - أيتها الفاضلة الكريمة- افصحي عمَّا في نفسك، لا تكتمي، النفس لها محابس ينبغي أن تفتح من خلال التعبير الطيب والجميل والمهذب، هذا يساعدك كثيرًا، وحاولي أيضًا أن تنضمي لإحدى حلقات القرآن، أو أي أنشطة نسوية طيبة وإيجابية، هذا أيضًا يجعلك تتواءمين وتتكيفين بصورة أكثر إيجابية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً