السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منذ فترة أصبحت أتعرض للإهانة من الجميع، وغالبا ما أكون موضع سخرية في المكان، خاصة وأنني ليس لدي سرعة البديهة، فأنا عادة ما أستوعب مقصد الشخص بعد مرور وقت، وليس في اللحظة نفسها.
والأسوأ من ذلك أنني عندما أتعرض للإهانة لا أعرف كيف أرد، وأتجمد في مكاني، لقد وصل الأمر إلى حد مؤلم، حين أهانني شخص أصغر مني سنا، ولم أستطع أن أدافع عن نفسي.
هذا الأمر ليس جديدا، فقد كان يحدث لي منذ أيام الثانوية، وما زال مستمرا حتى الآن، وأنا في المرحلة الأولى من الجامعة.
وأعتقد أن السبب الرئيسي لذلك أمران: ضعف سرعة البديهة، ووجود نوع من الخوف لدي عند المواجهة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ radwan حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أتفهم تماما ما تمر به من مشاعر مؤلمة، وإحساس بالإهانة، وعدم القدرة على الرد، خاصة عندما تأتي تلك الإهانة من أشخاص أصغر منك سنا، فهذا موقف صعب للغاية، ومن الطبيعي أن تشعر بالإحباط والخوف في مثل هذه الظروف.
وشعورك بأنك أضحوكة، وأنك لست سريع البديهة، هما أمران يزيدان من ثقل الموقف عليك، ولكن -بفضل الله وتوفيقه- يمكن تجاوز هذه التحديات، وتذكر أن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وأن كل ابتلاء يمر به الإنسان يحمل في طياته دروسا وحكما
أولا: الإسلام يدعو إلى الكرامة والعزة، وينهى عن الإهانة والاستهزاء بالآخرين، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسىٰ أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسىٰ أن يكن خيرا منهن} [الحجرات: 11].
هذا يعني أن الاستهزاء بالآخرين سلوك مذموم في ديننا، ومع ذلك عندما نتعرض لمثل هذه المواقف، فإن رد الفعل السليم لا يكون دائما بالرد الفوري أو العدائي، بل بالتحلي بالصبر والحكمة، والبحث عن القوة الداخلية.
وشعورك بالخوف، أو بطء البديهة، لا يعني أنك ضعيف، فقد يكون بطء البديهة فرصة للتفكير العميق والتأمل قبل الرد، وهذا بحد ذاته نوع من الحكمة، أما الخوف: فقد يكون من وساوس الشيطان، ليضعف عزيمتك ويزرع فيك الشعور بالعجز، بينما في داخلك من القوة ما لا تتصوره.
وقد قيل في ذلك: "لا يبلغ العدو من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه"، أي أن جهل الإنسان بكيفية التصرف قد يلحق به ضررا أكبر مما قد يسببه له العدو.
وللمتنبي بيت شعر شهير:
وتكبر في عين الصغير صغارها … وتصغر في عين العظيم العظائم
للتغلب على هذه التحديات، إليك بعض الخطوات العملية والروحانية التي يمكنك اتباعها:
- أكثر من الدعاء إلى الله بأن يرزقك الحكمة، وسرعة البديهة، والقوة في المواقف الصعبة، والدعاء هو سلاح المؤمن، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الدعاء هو العبادة"، فواظب على الأذكار، خاصة أذكار الصباح والمساء، فإنها حصن لك من كل سوء.
- اجعل لك وردا يوميا من القرآن، وتدبر آياته؛ ففيه شفاء للصدور، وهدى للناس، قال تعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} [الإسراء: 82].
- اجعل صلاتك ملاذا لك، ففيها السكينة والطمأنينة، وتذكر أنك تقف بين يدي الله؛ وهذا يمنحك شعورا بالقوة والعزة.
- اعلم أن ما تمر به هو ابتلاء، وإن صبرت واحتسبت أجرك عند الله، يرفع درجاتك ويمسح ذنوبك، قال تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10].
- قد يكون عدم سرعة البديهة لديك نابعا من طبيعة تفكيرك الهادئة، وهذا ليس عيبا، بل يمكن أن يكون ميزة، وبدلا من محاولة الرد الفوري، يمكنك تدريب نفسك على أخذ لحظة قصيرة.
- فكر مسبقا في بعض الردود العامة والمحترمة، التي يمكن استخدامها في مواقف الإهانة، مثلا: (أنا لا أرى الأمر كذلك)، (أعتذر لم أفهم قصدك بوضوح)، أو حتى (حفظك الله)، أو (الله يهديك)، فهذه الكلمات قد تفحم المسيء.
- ليس بالضرورة أن يكون الرد فوريا، ويمكنك أن تفكر في الرد المناسب لاحقا، وتتعلم منه للمرات القادمة، والقوة تكمن في القدرة على التعلم والتطور.
- عندما تشعر بالخوف والتجمد، خذ نفسا عميقا وبطيئا؛ فهذا يساعد على تهدئة الجهاز العصبي، ويمنحك فرصة للتفكير.
- بدلا من رؤية الموقف كتهديد، انظر إليه كفرصة لتعزيز ثقتك بنفسك، وتطوير مهاراتك في التعامل مع الآخرين.
- أحيانا يكون أفضل رد هو التجاهل التام، خاصة إذا كان الشخص يقصد إثارة غضبك، قال الإمام الشافعي:
إذا نطق السفيه فلا تجبه ... فخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فرجت عنه ... وإن خليته كمدا يموت
- كلما زادت معرفتك وثقافتك؛ زادت قدرتك على الربط بين الأفكار والرد بذكاء، وأنصحك بأن: تقرأ الكتب، تتابع الأخبار لتوسع مداركك، وألعاب الكلمات، والألغاز، والشطرنج؛ كلها تساعد على تحسين سرعة التفكير والتحليل.
- حاول الانخراط في النقاش مع أشخاص تثق بهم، وتتعلم منهم كيفية الرد بذكاء وهدوء.
- عندما تشعر بالرضا عن مظهرك؛ ينعكس ذلك على ثقتك بنفسك، فاهتم بنظافتك الشخصية، وارتد ملابس نظيفة ومرتبة، ومارس الرياضة؛ فذلك يحسن المزاج ويقلل التوتر.
- عندما تتعرض للإهانة، يمكنك الرد بحزم ولكن بلطف، دون الدخول في جدال أو إساءة، مثلا: (لو سمحت، أنا لا أقبل هذا الأسلوب في الحديث)، أو (لا داعي لهذا الكلام).
- إذا استمر الشخص في الإساءة، يمكنك ببساطة الانسحاب من المكان أو تغيير الموضوع، وهذا يظهر أنك لست مستعدا لتحمل مثل هذا السلوك.
- في بعض الأحيان إذا تكررت الإهانة من نفس الشخص، يمكنك التحدث مع شخص أكبر منك، أو له سلطة، مثل: أستاذ، مرشد طلابي، وطلب المساعدة في التعامل مع الموقف.
وتحضرنا هنا قصة الرجل الذي شتم أبا بكر الصديق -رضي الله عنه-، والرسول -صلى الله عليه وسلم- جالس، فكان أبو بكر ساكتا، والرسول يبتسم، فلما رد أبو بكر على الرجل، غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقام، فقال أبو بكر: يا رسول الله كنت ساكتا وأنت تبتسم، فلما رددت عليه غضبت وقمت؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنه كان معك ملك يرد عنك، فلما رددت عليه ذهب الملك وجاء الشيطان"، هذه القصة تعلمنا أن الصبر أحيانا يكون خير رد، وأن الله يؤيدك إذا احتسبت وصبرت.
أخيرا: لا تدع هذه التجارب السلبية تحدد هويتك أو قيمتك، فأنت طالب جامعي في بداية طريقك، ولديك الكثير لتقدمه، ركز على دراستك وتطوير مهاراتك وهواياتك، كلما زاد إنجازك وثقتك بقدراتك، كلما قل تأثير كلام الآخرين عليك.
إذا استمرت هذه المشاعر بالتأثير سلبا على حياتك اليومية ودراستك؛ فلا تتردد في طلب المساعدة من مستشار نفسي متخصص، فطلب المساعدة هو خطوة شجاعة نحو التعافي والنمو، وليس ضعفا أبدا.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يزيل عنك كل هم وغم، وأن يملأ قلبك بالثقة والسكينة، وأن يرزقك الحكمة وسرعة البديهة، وأن يجعلك من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، كن قويا بالله، فالله معك.