كلما تقربت من والدي زاد ظلمًا وقسوة علينا، فماذا نفعل؟

0 1

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أبي الآن رجل في الستين من عمره، يعاني من أمراض وعقد نفسية، وكبر لا يعترف به.

منذ كنت طفلة، لم أعرف معنى الأبوة الحقيقية، فقد كنت أتمنى لو كنت يتيمة بسبب قسوته، وبخله، وضربه لأمي، وغير ذلك من الأمور التي تطول حكايتها، وبعد ذلك تزوج زوجة ثانية، وأغدق على أولاده منها بكل حنان ورعاية، وهذا ما كان يصدع قلوبنا.

كبرنا ونحن نحاول بره، لكنه لا يرضى عنا شيئا، وكلما اختلف مع أمي -وهو في خلاف دائم طوال الوقت- يصب جام غضبه علينا، واصفا إياي بالعاقة، مع أن كل من في البيت يشهد لي ببري وطاعتي، وكلما حاولت أن أرضيه يزداد عنادا وتعنتا، ولا يرضيه سوى أن ألوم أمي وأشهد عليها بأنها هي المخطئة، وهذا أمر لا أستطيع القيام به؛ لأنه ليس صحيحا.

وأنا والله أخشى أن يغضب الله علي بسبب غضبه، فماذا أفعل؟ وهل سيغضب الله مني إذا ظل غاضبا وظالما لي؟

وأفكر في أن أبتعد عنه وأهجره لأتجنب غضبه غير المتوقع، فهل هذا الحل صحيح؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ نورة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.

بداية، نسأل الله أن يثبتك على هذا البر، وأن يرزقك الصبر الجميل على حرصك على طاعة والديك، ونبشرك أن كل ما أصابك من هم وتعب وحوادث هو لك أجر وثواب، ورفعة عند الله تعالى إذا احتسبت الأجر، قال رسول الله ﷺ: (ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه).

لذلك -أختنا الفاضلة- لتنالي الأجر لا بد أن تستشعري في مجاهدتك وصبرك رضى الله تعالى وما أعده للصابرين المحتسبين.

أختنا الفاضلة: بلا شك أن ما تمرين به هو نوع من البلاء والامتحان الذي يمحص الله فيه المؤمن ويرفع به درجته، وما دام أن الأمر ابتلاء فلا بد معه من الرضا وحسن القبول والتسليم لله تعالى، فكل بلاء عاقبته إلى خير بإذن الله تعالى، خصوصا أن هذا الأمر مرتبط بأقرب الناس إليك وهو والدك.

اعلمي -وفقك الله- رغم إيماننا أن التقصير وتضييع الأمانة والإساءة، قد تحدث من الكثير من الآباء لأبنائهم، لكن مع كل هذا يبقى البر والإحسان لازما لهذه العلاقة؛ لأن الله أوصى الإنسان بوالديه إحسانا رغم كفرهما وجحودهما لتوحيد الله، فكيف بمن هو دون ذلك، كمن يغضب ويسيء بسبب سوء طباعه أو خلقه؟

قال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا علىٰ وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير * وإن جاهداك علىٰ أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون}.

لذلك لا ننصحك بهجر والدك أبدا ولا بالإساءة إليه، كما لا ننصحك بطاعته في معصية الله، أو في أي ظلم، أو إساءة لوالدتك، أو لغيرها، فإن بر الوالدين وطاعتهما مشروطة بالمعروف، قال رسول الله ﷺ: (لا طاعة لمخلوق في معصية الله عز وجل).

ومع ذلك، يبقى حق البر والإحسان لهذا الوالد واجبا ما أمرك بمعروف أو خير بقدر طاقتك وجهدك، فـ{لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}.

أختنا الفاضلة: إذا كان غضبك أو كرهك لوالدك مكانه في قلبك بسبب ما لقيت من سوء المعاملة قديما وحديثا، فلا يمنعك من الإحسان والمعروف والبر، فلا شيء عليك - بإذن الله -، فالحب والكره القلبي أمر لا يطيق الإنسان التحكم به، لكن ما فعلت الجوارح أو تلفظ به اللسان فهذا تحاسبين عليه.

كذلك في حال غضب الوالد لأي موقف، ينبغي أن تنظري وتقيمي هذا الموقف: هل هو صادق فيه؟ وهل غضبه مبني على عدل وحق؟ أم أن غضبه دافعه رغبته في إقحامك في إساءته وظلمه لغيرك؟ فإن كان غضبه دافعه تقصيرك في حق البر والإحسان إليه، فغضبه مشروع، ولا بد أن تبادري إلى التوبة والإحسان إلى والدك.

وإن كان غضب والدك دافعه عدم استجابتك لما يمليه عليك من إساءة، أو ظلم لأمك أو غيرها، أو لأي عمل فيه فساد، أو ظلم أو منافاة للعدل والحق، ففعله هذا وغضبه من الظلم، واستجابتك له من الطاعة في معصية الله، لذلك لا بد أن تقيمي الموقف حتى تحكمي هل تطيعينه أم لا، واجعلي رضا الله تعالى هو الأساس في كل هذا.

أختنا الفاضلة: تجنب المواجهة لوالدك والمصادمة له أفضل من الهجر والابتعاد الكلي، تعاملي مع غضبه بعقلية الإنسان الذي يتعامل مع الشخص المريض بالعصبية والغضب. ضعي في قرارة نفسك أنه إنسان معذور وعاجز، وأفعاله الغاضبة هي ردود فعل طبيعية من إنسان مريض، يحتاج من يفهمه، سيساعدك ذلك في عدم الاستجابة بحساسية زائدة لردة فعله، وتقليل التوتر من لحظات انفعاله.

من المهم أيضا أن تخرجي من بؤرة الشعور والتفكير بالتوتر والصراع النفسي؛ حتى لا يؤثر هذا الواقع عليك نفسيا واجتماعيا، فالعيش في دائرة القلق والتوتر، والشعور بعدم الارتياح لفترات طويلة يتسبب في أزمات نفسية مع الوقت.

لذلك اهتمي بحياتك، وادخلي في مشاريع تدعمك نفسيا وتجعلك أكثر سعادة واستقرارا ونجاحا في الحياة، فهذا الأمر سيساعدك بقوة للخروج من دائرة القلق والاضطراب النفسي.

أخيرا: أكثري من الدعاء والتقرب إلى الله، واللجوء الدائم إليه، حافظي على الإكثار من قراءة القرآن، وأفعال الخير، وأشغلي وقت فراغك بما هو نافع ومفيد، كل ذلك يساعدك كثيرا على تحقيق السلام الداخلي في نفسك، ويزيح عنك الكثير من القلق والهموم.

هذا الأمر مهم حتى تخرجي من تأثير هذا الواقع، فاللجوء إلى الله ينبغي أن يكون جزءا مهما من حياتك في ظل هذه الظروف الصعبة.

وفقك الله ويسر أمرك، وأعانك على ما تمرين به.

مواد ذات صلة

الاستشارات