لا أجد التوفيق في حياتي بسبب ذنوب الخلوات.. أنقذوني

0 1

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إلى مشايخنا الأجلاء، حفظكم الله.

أنا شاب مبتلى بذنوب الخلوات، أذنب ثم أعود وأتوب، لكنني لا ألبث أن أرجع من جديد، وكلما حاولت الثبات على الصلاة والطاعة، أضعف وأقصر فيها، أبذل جهدا كبيرا للتخلص من الذنوب، لكنني لا أستطيع.

أحيانا أعتدي في الدعاء وأقول: "يا رب اهدني خلاص، تعبت"، وأنا أعلم أنه حرام، لكنني أشعر بأن لا حيلة لي!

لم أعد أجد التوفيق في حياتي، وأصبحت أشعر أن أمنياتي في الدنيا لا تتحقق! لا توفيق في العمل، ولا في حياتي الشخصية، أو مشاريعي الخاصة، ومع هذا، أشعر أن الله ما زال يسترني، وأخشى أن يرفع هذا الستر عني، أو أن أصل لمرحلة أسوأ مما أنا عليه -والعياذ بالله-.

بالله أفتوني، قبل أن تدمر حياتي أكثر من ذلك وتكون عاقبتي النار، ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عابر سبيل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي العزيز- في استشارات إسلام ويب.

أولا، نشكر لك تواصلك مع الموقع، ونهنئك بتأنيب الضمير على ما تفعله من الذنوب والمعاصي، وهذه بقية خير في قلبك، ننصحك بأن تبادر إلى استغلالها بالتوبة الصادقة؛ لأن هذا التأنيب من شأنه -إن شاء الله- أن يدفعك إلى التوبة.

ولا تؤخر، ولا تتباطأ عن هذه التوبة، فربما انطفأ ما بقي من النور في قلبك، نعوذ بالله تعالى من ذلك، ونسأل الله أن يقيك منه، فإن الله تعالى يحول بين المرء وبين قلبه، كما أخبرنا بذلك في كتابه الكريم.

فينبغي أن تبادر -أيها الحبيب- إلى استغلال ما بقي في قلبك من الخير، وأن تنمي في نفسك هذا الشعور بالذنب والمعصية، وذلك بأن تذكر نفسك بالعواقب السيئة للذنوب والمعاصي، وأنت قد لمست في حياتك شيئا طرفا من هذه الآثار السيئة، فلمست عدم التوفيق، والحرمان من بعض الأرزاق، وهذه الأمور التي لمستها هي أمور حقيقية وصحيحة، فإن الرسول ﷺ يقول: إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه [رواه ابن ماجه]، والله تعالى أخبرنا في كتابه في آيات عديدة، أن ما أصابنا إنما بسبب أعمالنا، فقال تعالى: ﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير﴾ [الشورى: 30].

وهكذا أدم لنفسك التذكير بعواقب الذنوب والسيئات، وهناك ما هو أعظم من هذا الذي لمسته في حياتك الدنيا، فهناك حرمان أكبر، وذلك حرمان الفوز الكامل والنجاة الكاملة في الدار الآخرة، فمن مات على ذنوبه فإنه تحت مشيئة الله تعالى، لكن إذا عاقبه الله تعالى بهذه الذنوب فإنه سيتعرض لعواقب وخيمة، سواء في قبره، أو في عرصات القيامة حين يقوم الناس لرب العالمين، أو بعد ذلك -ونعوذ بالله من ذلك- حين يدخل النار فيعاقب بقدر ذنوبه.

فأنت إذا ذكرت نفسك بهذه العواقب، وأكثرت من سماع المواعظ التي تذكرك بالنار، ولقاء الله تعالى، والوقوف بين يديه يوم القيامة، وضمة القبر، وفتنة القبر، وعذاب القبر، إذا سمعت هذه المواعظ فإنها -بإذن الله تعالى- ستحيي قلبك، وتقوي وتعزز ما بقي فيه من الخير، وحينها سيقوى لديك تأنيب الضمير هذا، بحيث يكون كافيا لردعك عن الذنب والمعصية.

فبادر -أيها الحبيب- إلى اتخاذ هذه الأسباب، واعلم أن الله -سبحانه وتعالى- رحيم، وأنه لطيف بعباده، ومن رحمته أنه يقبل توبة التائب إذا تاب بصدق، فندم على ذنبه، وعزم في قلبه على ألا يرجع إليه في المستقبل، وأقلع عنه في الحال، فإذا استكمل الإنسان هذه الأركان، فإن الله تعالى يقبل توبته، ويمحو بهذه التوبة الذنب السابق، كما قال النبي ﷺ: التائب من الذنب كمن لا ذنب له [رواه ابن ماجه].

ثم بعد ذلك بعد هذه التوبة، إذا وقع الإنسان في المعصية مرة أخرى، وزلت قدمه، وأغراه شيطانه، فإنه مطالب بتجديد التوبة مرة ثانية، وهكذا ما دام الإنسان يتوب توبة صادقة مستكملة لأركانها، ومن هذه الأركان -كما قلنا: العزم في قلبه على ألا يرجع للذنب في المستقبل، إذا فعل هذا فإنه لا يزال على خير، وقد دلت على ذلك الأحاديث الكثيرة.

وينبغي -أيها الحبيب- أن تأخذ بالأسباب التي تعينك على اجتناب هذه المعاصي، وذلك يكون بالتالي:

• قطع الأدوات والمداخل التي تجرك إليها.
• قلل من انفرادك بنفسك.
• وحاول ألا تتصفح شيئا من المثيرات السمعية أو البصرية أثناء الخلوة.
• إذا أردت أن تتصفح شيئا على شبكة الإنترنت، حاول أن يكون ذلك بحضور الآخرين.
• وحاول أن تمارس الألعاب الرياضية البدنية التي تتعب جسدك، بحيث إذا جئت إلى فراشك، أتيت وأنت تشعر بالحاجة الكاملة للراحة والنوم.
• وصاحب الصالحين، وأكثر من مجالستهم، ومشاركتهم في برامجهم، فإنهم خير من يعينك على التوبة والثبات عليها.
• وأكثر من دعاء الله تعالى بأن يهديك ويوفقك، فإن التوفيق من الله، والتوفيق معناه: ألا يتركك الله تعالى فريسة لنفسك، بل يأخذ بيدك ويحميك من نفسك، فأكثر من دعاء الله تعالى بالهداية والتوفيق والثبات، وستجد الله تعالى برا رحيما بك.

أما ما ذكرته من الدعاء، فنحن نحمل عبارتك محملا حسنا، بأن لا يكون المقصود بها الاعتداء على الله تعالى في دعائه، ولا التضجر إليه، فإنك أنت الكاسب لهذا العمل، أنت المتسبب فيه، فكيف تفعل أنت ثم تعاتب غيرك؟ لكنا نظن أنك تقصد: "اهدني يا رب فإني قد تعبت من هذه الذنوب، فخذ بيدي، ونجني منها، وخلصني منها، وارحم ضعفي"، فإذا كنت تدعو بهذا المعنى فإن هذا ليس فيه اعتداء.

نسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير.

مواد ذات صلة

الاستشارات