طالبة طب حياتي فوضوية وعلاقتي بأمي وأختي متوترة!

0 2

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا طالبة طب، وأشعر بأن حياتي مليئة بالفوضى، ولا أستطيع ترتيب أولوياتي، تمضي الأيام دون إنجاز حقيقي، كما أن علاقتي بعائلتي غير موفقة.

أصبحت عصبية جدا، خاصة عندما أرى زميلاتي يتفوقن في الاختبارات ويحققن إنجازات دراسية، بينما أنا لا أستطيع ذلك؛ مما يؤثر بشدة على حالتي النفسية.

وبحكم أنني أنتمي لعائلة كبيرة مكونة من 9 أشخاص، لدي أخت واحدة تصغرني 6 سنوات، هي التي تساعد والدتي أثناء غيابي عن المنزل بسبب الدراسة، لذلك أصبحت علاقتها بأمي قوية جدا، وصلت العلاقة بينهما إلى درجة أن والدتي لا تسمح لأحد بأن يتحدث عن أختي حتى وإن كانت مخطئة، وعندما أغضب من ذلك وأحاول التحدث، تبدأ أمي بشتمي، وإذا قلت لها إنها تميز بيني وبين أختي، تنفعل بشدة وتبدأ بالدعاء علي بالموت وعدم التوفيق، لقد تعبت جدا من هذه الحياة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سجى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أتفهم تماما حجم الضغط الذي تشعرين به، والتحديات الكبيرة التي تواجهينها كطالبة طب في بيئة مليئة بالمتطلبات الدراسية والأسرية، إن شعورك بالفوضى وضياع الأيام دون إنجاز، وكذلك التوتر في علاقتك بوالدتك وشقيقتك؛ كل هذه المشاعر مؤلمة، وتثقل على النفس، وتجعل الحياة صعبة بالفعل.

يا ابنتي: إن شعورك بالفوضى وضياع الوقت دون إنجاز هو شعور طبيعي يمر به الكثيرون، خاصة في مرحلة الدراسة الجامعية، التي تتطلب تنظيما عاليا وجهدا مضاعفا، ولكن تذكري دائما أن الله سبحانه وتعالى خلقنا ومنحنا القدرة على التنظيم والتدبير، قال تعالى في محكم التنزيل: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: 216]، قد يكون هذا الشعور دافعا لك لإعادة ترتيب حياتك، وتحديد أولوياتك من جديد.

نصائح عملية لترتيب الأولويات:
1- ابدئي بتنظيم وقتك، لا تنتظري أن يصبح كل شيء مثاليا للبدء، ابدئي بخطوات صغيرة، يمكن لجدول يومي بسيط أن يحدث فرقا كبيرا، وحددي أوقاتا ثابتة للدراسة، وأوقاتا للراحة، وأوقاتا لأداء العبادات.

2- عليك بتقسيم المهام الكبيرة، فمهام دراسة الطب قد تبدو ضخمة ومرهقة، قسميها إلى أجزاء صغيرة يمكن إنجازها في فترة زمنية قصيرة، وهذا يمنحك شعورا بالإنجاز، ويقلل من الإحباط.

3- كل صباح، اكتبي أهم 3 أو 5 مهام ترغبين في إنجازها، ركزي عليها أولا، واستخدمي مربع إيزنهاور لإدارة الأولويات.

4- لا تنسي أن جسدك ونفسك لهما حق عليك، خصصي وقتا للصلاة وقراءة القرآن والذكر، هذه الأوقات ليست وقتا ضائعا، بل هي وقود لروحك وعقلك، وتعينك على الثبات والصبر، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لربك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه".

5- إن علاقتك بوالدتك وشقيقتك حساسة ومعقدة، خاصة مع شعورك بالتمييز والمقارنة، وهذا يولد الكثير من الألم والغضب، تذكري أن علاقة الأم بابنتها من أسمى العلاقات، وحتى لو بدت الأم متحيزة، فقد يكون ذلك نابعا من ظروف معينة، أو طريقة تفكير مختلفة، وليس بالضرورة قصدا سيئا.

6- بما أن أختك تساعد والدتك في المنزل أثناء غيابك؛ فهذا يجعل وجودها ملموسا بشكل أكبر في المهام اليومية، وقد يعطي والدتك شعورا بالاعتماد عليها في هذه الجوانب، وهذا لا يعني أن دورك كطالبة طب أقل أهمية، بل هو دور مختلف وله أهميته في المستقبل لعائلتك ومجتمعك.

7- من الطبيعي أن تنشأ بعض مشاعر الغيرة أو المقارنة بين الأخوات، خاصة مع وجود فارق سن واختلاف في الأدوار، فحاولي أن تنظري لأختك كحليفة لك في الأسرة، وكشخص يكمل دورك في تلبية احتياجات المنزل.

8- عندما تشتمك والدتك أو تدعو عليك، هذا مؤلم جدا، ولكن تذكري أن دعاء الوالد على ولده ليس مستجابا إذا كان بغير حق، أو في لحظة غضب، حاولي أن تتمسكي بالصبر والحلم في هذه المواقف، وإساءة والدتك بالدعاء عليك هو نوع من الابتلاء، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما زال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة"، هذا تذكير بأن الابتلاءات جزء من حياتنا لتكفير الذنوب ورفع الدرجات.

خطوات لتحسين العلاقة مع والدتك:
1- حاولي أن تتقربي من والدتك بطرق مختلفة، حتى وإن كانت أختك هي التي تساعدها في المنزل، ابحثي عن أي فرصة لخدمتها، كأن تسألي عن حالها، أو تشتري لها شيئا تحبه، أو تجلسي معها لتتحدثي وتستمعي إليها، هذه المبادرات الصغيرة تترك أثرا كبيرا في القلوب، قال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما} [الإسراء: 23].

2- عندما تشعرين بأن النقاش يتجه نحو الشجار، حاولي التزام الصمت، أو تغيير الموضوع بلطف، ويمكنك أن تعبري عن رأيك بهدوء وبدون انفعال، وتجنبي الدخول في جدالات حادة تزيد من التوتر.

3- ادعي لوالدتك بالهداية والصلاح ولين القلب، فالدعاء سلاح المؤمن، فكم من القلوب التي تغيرت بالدعاء الخالص!

4- مشاعر الغيرة والإحباط عند رؤية زميلاتك يتفوقن هي مشاعر إنسانية طبيعية، ولكن تذكري أن لكل إنسان قدراته وظروفه، وطريقتك أنت مختلفة، وتحدياتك أكبر بسبب مسؤولياتك الأسرية.

5- بدلا من مقارنة نفسك بالآخرين، ركزي على تقدمك الشخصي، حتى لو كان بطيئا، فهو تقدم، وتذكري قول الشاعر:
إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
طموحك أن تكوني طبيبة هو بحد ذاته شرف عظيم، ويستحق منك أن تقاتلي لأجله.

6- سلمي أمرك لله، واعلمي أن رزقك وتوفيقك بيده سبحانه، قال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا} [الطلاق: 2-3].

7- حاولي أن تنظري إلى النعم التي لديك: عائلة، فرصة للدراسة، صحة؛ الامتنان يساعد على تغيير النظرة السلبية للحياة.

متى تطلبين المساعدة المتخصصة؟
شعورك بالعصبية الشديدة واليأس، ودعاء والدتك عليك بالموت، هي أمور تزيد من الضغط النفسي، وإذا استمرت هذه المشاعر وتصاعدت لدرجة تؤثر على قدرتك على أداء مهامك اليومية، أو على صحتك النفسية والجسدية، فمن الحكمة أن تستشيري أخصائيا نفسيا مؤهلا، وطلب المساعدة ليس ضعفا، بل هو قوة ووعي بأهمية الصحة النفسية، ويمكن أن يقدم لك الأخصائي أدوات واستراتيجيات للتعامل مع التوتر، وإدارة الغضب، وتحسين علاقاتك الأسرية بطرق بناءة.

أخيرا: أنت في مرحلة مهمة من حياتك، ومليئة بالتحديات، ولكن تذكري أن الله لا يضيع أجر المحسنين، ولا يكلف نفسا إلا وسعها، اصبري واحتسبي، واجعلي من دراستك وخدمتك لوالديك عبادة تتقربين بها إلى الله، كل هذه الصعوبات ستمر، وستخرجين منها أقوى وأكثر حكمة.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم، أن يشرح صدرك، وييسر أمرك، وأن يزيل عنك الهم والغم، وأن يرزقك التوفيق في دراستك، وأن يصلح بينك وبين أهلك، ويملأ قلبك بالسكينة والطمأنينة، لا تيأسي من روح الله، ففرج الله قريب.

مواد ذات صلة

الاستشارات