عندما يتطاول عليّ المراجعون أعجز عن الرد عليهم، فماذا أفعل؟

0 4

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مشكلتي في العمل أنني عندما أتجادل مع أحد المراجعين لا أستطيع ضبط أعصابي، وأصاب بالقلق، وتزداد خفقات قلبي، ويحمر وجهي، وأعجز عن الرد، وكأن شيئا يمسك لساني، رغم أن الحق يكون معي، وهم يتطاولون علي.

وبعد ذلك، أبقى مقهورة في داخلي، وألوم نفسي على عجزي عن الرد عليهم وإسكاتهم، وأتضايق كثيرا من نفسي، علما بأنني مواظبة على الأذكار، وقراءة القرآن يوميا، فما الحل لهذه المشكلة؟

أرجو المساعدة، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكر لك تواصلك مع موقع إسلام ويب، ونقدر حرصك على طلب الاستشارة، ونسأل الله أن ييسر لك أمورك.

نثمن جهودك في البحث عن حلول لما تواجهينه من ضغوط ومواقف صعبة، فمجرد سعيك للفهم والسعي للتغيير هو خطوة ناضجة تحسب لك، وكما يقال: "بداية الحل هي الاعتراف بالمشكلة والسعي لمعالجتها".

من الواضح أن المشكلة التي تواجهينها تندرج تحت ما يعرف بالقلق الاجتماعي، أو التوتر في المواقف الضاغطة والمفاجئة، وهو أمر شائع لدى بعض الأشخاص الذين يتمتعون بحساسية عالية وضمير حي، خاصة ممن لا يميلون إلى المواجهة أو رفع الصوت، ويفضلون الحفاظ على بيئة هادئة ومتوازنة.

ولا شك أن الجدال – سواء في بيئة العمل أو في الحياة الخاصة – ليس من الأساليب المحمودة، بخلاف الحوار الهادئ الذي يفتح المجال للتفاهم، ويمنح الطرفين مساحة أكبر للتعبير عن الرأي باحترام، لا سيما عندما يكون الصوت منخفضا والنبرة متزنة، مما يفرض على الطرف الآخر تلقائيا خفض حدته والرد بأسلوب أكثر احتراما.

ورغم أن الحق غالبا يكون في صفك، إلا إنك تجدين صعوبة في الرد، مما يشير إلى أن المشكلة لا تكمن في ضعف الحجة، وإنما في الاستجابة الجسدية والعاطفية السريعة التي تسبق رد الفعل، فالتسارع في ضربات القلب، واحمرار الوجه، وتجمد اللسان، كلها أعراض جسدية طبيعية للتوتر والقلق، حيث يستجيب الجسد تلقائيا لضغط الموقف بطريقة لاإرادية.

أما اللوم الذاتي المستمر بعد انتهاء الموقف، فليس حلا، بل قد يؤدي إلى ترسيخ مشاعر العجز وزيادة القلق في المرات القادمة، لذا من المهم التعامل مع الأمر من زاوية التدريب والتطوير لا التأنيب.

وللتغلب على هذه المشكلة، إليك بعض الخطوات العملية التي يمكنك التدرب عليها بانتظام:

• ممارسة التنفس العميق عند أول شعور بالتوتر: خذي نفسا عميقا من الأنف لمدة ثلاث ثوان، واحبسيه لثانيتين، ثم أطلقيه ببطء من الفم، كرري هذه التقنية ثلاث مرات، فهي تسهم في تهدئة فورية للجهاز العصبي.

• تغيير الوضعية الجسدية (كالوقوف أو الجلوس حسب المتاح)، وهذا يعيد توجيه التركيز الذهني بعيدا عن التوتر اللحظي.

• المحاكاة الواعية: راقبي كيف يتعامل الأشخاص الواثقون والناجحون مع المواقف الصراعية، ودربي نفسك على استخدام بعض العبارات أو الأساليب التي يعبرون بها عن رأيهم بهدوء وثقة.

• التهيئة العقلية المسبقة: توقعي أن تواجهي في عملك بعض الانفعالات أو ردود الفعل الحادة، وفكري مسبقا في كيفية الرد عليها دون تسرع، هذا التمرين العقلي يقلل من رهبة الموقف عندما يقع فعليا.

• تأجيل الردود على الأسئلة المستفزة: لا مانع من تأجيل الرد على النقاط الخلافية أو المثيرة للتوتر، والبدء بالأمور المتفق عليها، لتهيئة الجو النفسي للحوار.

• الحوار المباشر مع المراجعين: قدمي وجهة نظرك بشكل واضح مع إظهار تفهمك لوجهة نظرهم، لكن مع التأكيد على أهمية احترام النظام والقوانين التي تنظم العمل، والتي يجب أن يلتزم بها الجميع.

• تعزيز الثقة بالنفس: فالثقة لا تعني الصراخ أو فرض الرأي، وإنما القدرة على قول "لا" عند الحاجة، والدفاع عن النفس بأسلوب راق ومحترم.

• الاستعانة بالتذكير البصري: اطبعي ورقة تذكيرية بمسؤولياتك وحقوقك الوظيفية، وضعيها أمامك لتتذكري أن الدفاع عن نفسك حق مشروع، كما أن للمراجعين حقوقا يجب احترامها.

• التفريغ النفسي: تحدثي إلى شخص مقرب تثقين به، أو اكتبي ما حدث في دفتر خاص، فهذا يساعدك في تحليل الموقف لاحقا، ومعرفة ما يمكن تحسينه مستقبلا.

• الجانب الروحي: مواصلتك للمواظبة على الأذكار وقراءة القرآن الكريم عون عظيم في تهدئة النفس، ويجب أن يستثمر ذلك بتعزيز الصبر والتسليم لأقدار الله تعالى.

وأخيرا، تذكري أن الصمت في بعض المواقف ليس ضعفا، بل قد يكون قمة الحكمة، ولكن إذا شعرت بأن هذا الصمت سببه الخوف أو التوتر، فاعملي على تحويله إلى صمت واثق، يسبق كلاما محسوبا ومدروسا.

لا تقسي على نفسك بعد كل موقف، بل اعتبريه تجربة تعليمية تتطورين من خلالها خطوة بخطوة، فالنضج في التعامل مع الناس مهارة تكتسب بالممارسة والصبر.

وفقك الله، وكتب لك القوة والطمأنينة في القول والعمل.

مواد ذات صلة

الاستشارات