السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كيف حالكم؟
عندي سؤال: كيف نعالج مشكلة التفكير غير المنطقي والمشوه حول العقيدة والناس وكل شيء، وخصوصا في العقيدة؟
لم أعد أفرق بين الدليل وغير الدليل، أسمع شبهة، حتى وإن كانت تافهة وغير مقبولة عقلا، فيضيق صدري، وينقبض قلبي، وتصيبني حرقة في القلب، ولدي مشكلات أخرى، مثل الخوف من الموت، والرهاب الاجتماعي.
أسئلتي:
- كيف أفكر بالمنطق لأعرف الدليل؟
- وكيف أبدأ بطلب العلم؟
- وهل عندما أسمع شبهة ويضيق صدري، يكون ذلك بسبب ضعف الإيمان أو الشك؟
وبارك الله فيكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Youssef حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك في إسلام ويب، ونسأل الله أن يشرح صدرك، ويثبتك على الإيمان، ويبدل ضيقك سكينة، وحيرتك يقينا، وخوفك أمنا.
سؤالك في غاية الأهمية، ويدل على حس قلبي حي، وشعور صادق بالخوف على الدين، وإن اختلط عليك الأمر في بعض اللحظات.
سأرتب الجواب في خطوات عملية تعالج أصل الإشكال، وتضعك على طريق اليقين وطلب العلم إن شاء الله.
أولا: هذا الضيق ليس دليلا على الشك.
حين تستمع لشبهة تافهة ثم يضيق صدرك ويخنقك الخوف، فهذا – في الغالب – ليس دليل شك، بل علامة على حرص القلب على سلامة الإيمان، وخوفه من أن يخدش؛ لذا يقول بعض أهل العلم: "الشيطان يلقي الوساوس في قلب المؤمن، ليحزنه، والمؤمن يعاقب عليها إن استرسل، ويؤجر إن دفعها".
وقد جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: "يا رسول الله، إن أحدنا ليجد في نفسه، ما لو خر من السماء، أحب إليه من أن يتكلم به!" فقال: "ذاك صريح الإيمان"، أي أن كراهتك لهذه الوساوس، وضيق صدرك منها، هو دليل على صفاء إيمانك، لا ضعفه.
ثانيا: الوساوس ليست دليلا على خلل منطقي، بل هي اضطراب نفسي:
عندما تفقد القدرة على التمييز بين الشبهة والدليل، وتخاف من أي فكرة، مهما كانت باطلة أو سخيفة، فهذا يدل غالبا على: حساسية نفسية مفرطة تجاه القضايا العقدية، ووسواس قهري فكري، ونقص في البناء العلمي التأصيلي، وهذه الثلاثة يمكن علاجها – بإذن الله – بالخطوات التالية:
1. ابدأ ببناء العقيدة من مصادرها الأصيلة:
• اقرأ بتدرج، وابدأ بما هو واضح وبعيد عن الجدل.
• أوصيك أن تبدأ بـكتاب "الأصول الثلاثة" مع شرح صوتي لأهل العلم، ثم "القواعد الأربع"، و"كشف الشبهات" بالترتيب.
هذه المتون صغيرة الحجم، لكنها تبني فيك يقينا كالجبال؛ لأنها تقوم على أدلة من القرآن والسنة، وتربي العقل على التمييز.
2. اضبط عقلك بمبادئ التفكير السليم:
• اسأل نفسك دائما:
- هل هذه شبهة أو شهوة؟
- هل هي مبنية على دليل صحيح أم على عاطفة مشوشة؟
- من قائل هذه الفكرة؟
- هل هو من أهل العلم أم من الجهلة أو الملاحدة أو المبتدعة؟
• تعلم هذه القواعد الثلاث في تقييم الكلام:
- الصدق، هل قيل بدليل؟
- العدالة، هل قيلت بإنصاف؟
- العلم، هل قيل بعلم أم بجهل؟
3. تعامل مع الشبهة كـ"سؤال علمي"، لا كـ"قنبلة عاطفية":
• لا تتفاعل معها شعوريا.
• اكتبها على ورقة، وقل: "سأرد عليها بعد التأكد من أهل العلم".
• لا تتسرع في الدخول إلى أعماقها، فبعض الشبهات تقوي الإيمان حين تعرض على العقل المؤصل، لكنها تربك القلب الضعيف.
4. اقطع دابر الوسواس باليقين والعمل:
• أكثر من قول: "آمنت بالله، ورسله، وما جاؤوا به، رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد ﷺ نبيا".
• ادفع الشبهة بالاستعاذة، والانشغال عنها.
• لا تناقشها كثيرا.
ثالثا: الرهاب والخوف من الموت عارض نفسي أم ديني؟
الخوف من الموت حين يتكرر، ويقترن بخوف من الناس، واضطراب في التفاعل مع الآخرين، فهو غالبا: رهاب نفسي له أبعاد فكرية، وليس ضعف إيمان بالضرورة، والعلاج يكون مزدوجا:
1. دينيا: اقرأ الأذكار، خصوصا أذكار الصباح والمساء والنوم، أكثر من الاستغفار والدعاء.
2. نفسيا: خذ الأمر بجدية، وراجع مختصا نفسيا موثوقا إذا زادت الأعراض، ولا تعتقد أن مراجعة الطبيب النفسي ضعف إيمان، بل هو من تمام التوكل.
رابعا: كيف تبدأ بطلب العلم؟ (خطة مختصرة):
• العقيدة: الأصول الثلاثة، القواعد الأربع، العقيدة الواسطية لابن تيمية.
• الحديث: الأربعون النووية، رياض الصالحين.
• الفقه: فقه العبادات من كتاب "فقه السنة"، أو "الملخص الفقهي" للفوزان.
• الصحبة: الزم أهل العلم أو طلابه، واستمع بتدرج، واجعل لك جدولا أسبوعيا.
خامسا: تذكير يطمئن القلب:
اعلم أن الإيمان لا يسلب ممن طلبه بصدق، ولا يضيع الله عبدا احتمى به في زمن الشك، فأكثر من الدعاء وخاصة: "اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي"، فقد تحصن بسياج رباني يحميه من نفسه ومن الناس.
أخيرا: ما تعانيه ليس نادرا، بل مر به كثيرون، وتعافوا بفضل الله، وما عليك إلا المحافظة على ما يلي، اثبت، وتوكل، ولا تتابع من يشوش قلبك، واقرأ كثيرا في القرآن، ففيه السكينة التي لا يمنحها غيره، أكثر من الدعاء.
نسأل الله أن يجعل اليقين في قلبك كالجبل، وأن يصرف عنك الوسواس، ويقوي عقلك، وينير بصيرتك.
والله الموفق.