طموحي أن أكون عالمة ومرجعًا لطلاب العلم، فهل ذلك من الرياء؟

0 2

السؤال

أنا أدرس الفقه والتشريع (العلم الشرعي)، ونيتي أن يكون ذلك لله تعالى؛ لإصلاح نفسي، والاستزادة من علم ديني، ولأتمكن من تربية أولادي في المستقبل تربية صحيحة.

أتساءل: إذا كنت أريد أيضا أن أعمل مستقبلا في هذا المجال لكسب الرزق الحلال، في حال احتجت إلى العمل، فهل يعد هذا نقصا في الإخلاص؟

كما أنني أتمنى أن يكون لي أثر صالح في هذه الدنيا، من باب إعمار الأرض، ومن باب الإجابة على سؤال "فيم أفنيت عمرك؟".

أتمنى، إن شاء الله، أن أكمل الدراسات العليا، وأتعمق في دراسة العلم الشرعي، وأن أؤلف كتبا في التفاسير وما شابه ذلك، بما يكتب الله لي.

وأخص ذلك بأن هذا المجال قليل من تخوض فيه من النساء، وأطمح لأن أكون على نهج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: فقيهة، متعلمة في الدين، مؤلفة في مجالاته.

أتمنى أن تكون كتبي يوما ما مثل كتب العلماء الكبار، تعرف بأسمائهم، ويؤخذ علمهم بثقة ويرجع إليه، بإذن الله، فهل يدخل هذا الطموح في باب الرياء، أو في أي نوع من عدم الإخلاص؟

وكيف يمكنني أن أتيقن أن أعمالي كلها خالصة لوجه الله؟ هل يكفي أن أنوي ذلك في قلبي، وأحرص على تجديد النية، وأدعو الله دائما أن يرزقني الإخلاص؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سنا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

أولا: نسأل الله تعالى أن يزيدك هدى وتوفيقا وصلاحا، ونهنئك بفضل الله تعالى عليك حين حبب إليك طلب العلم الشرعي، فإن طلب العلم الشرعي من أجل العبادات التي يتقرب بها المسلم، رجلا كان أو امرأة، يتقرب بها إلى الله تعالى، فإن الله تعالى يحب العلماء والمتعلمين، ولذلك أثنى عليهم ورفع درجاتهم، فقال سبحانه وتعالى: ﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾، وقال عليه الصلاة والسلام: خيركم من تعلم القرآن وعلمه، وأخبر ﷺ بأن من سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وأخبر بقوله: وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع، وغير ذلك من النصوص الشرعية الدالة على فضيلة هذه العبادة، وحب الله تعالى لها.

وهذه العبادة كغيرها من العبادات لا تكون صحيحة مقبولة عند الله إلا إذا أخلص فيها صاحبها لله، فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا صوابا، كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة من القرآن والسنة النبوية.

وكل ما ذكرته في سؤالك -ابنتنا العزيزة- يدور في دائرة الإخلاص، وليس فيه شيء يخرج عملك عن الإخلاص إلى الرياء أو السمعة، فإن طلبك للعلم بقصد التقرب إلى الله، وإصلاح نفسك، ورفع الجهل عن نفسك، والزيادة من العلم، لتكون تربية أبنائك تربية سليمة؛ هذه كلها أمور موافقة تماما للإخلاص، ومقصود بها وجه الله تعالى، وثواب الله والدار الآخرة.

وكونك أيضا تتمنين من وراء هذا العمل أن تكوني نافعة لأمتك بنشر العلم النافع، والدعوة إلى العمل الصالح، وأن تتركي أثرا لك بعد مماتك؛ كل هذا أيضا موافق لمقاصد الإخلاص ونيات الإخلاص؛ لأن هذه كلها نيات خير، وما دمت تنوين الخير فأنت بخير، هكذا قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-.

وأما أن يقصد الإنسان مع هذه النيات الفاضلة والنيات الحسنة، تحصيل منفعة من منافع الدنيا بجانب ذلك، فهذا لا يؤثر في الإخلاص، ولا ينقصه، ولا يبطل العمل، ولا يفسده، وقد قال الله تعالى لمن توجه إلى الحج: ﴿ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين﴾، رخص -سبحانه وتعالى- للحاج في ابتغاء فضل الله تعالى، ودل هذا على أن ابتغاءه شيئا من المنافع لا ينافي الإخلاص، ولا يفسد النية الصحيحة.

ولكن الأمر بالنسبة للدنيا حاصل لا محالة، قصده الإنسان أو لم يقصده، أي نواه أو لم ينوه، فالإنسان ينبغي أن يجاهد نفسه لتخليص النية لله تعالى، بأن لا يكون فيها ما يشارك أمر الآخرة، ثم إذا قدر له شيء من الدنيا فإنه سيناله، وسيصل إليه، كما قال الله: ﴿من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة﴾.

ولكن على كل حال، نيتك سليمة صحيحة، وكل ما ذكرته لا ينافي الإخلاص، بل هو دائر في فلك الإخلاص، فاستمري على هذه النيات الصالحة، وجاهدي نفسك على الثبات عليها، وألا يخدعك الشيطان، وتغرك النفس بالخروج إلى نيات أخرى كالمباهاة بهذا العلم، وتحصيل الشهرة، وحتى يقال: إن فلان عالم، ونحو ذلك من النيات التي تنافي هذه النيات الحسنة التي ذكرتها في سؤالك.

نسأل الله تعالى لك مزيدا من التوفيق والهداية والسداد والإعانة.

مواد ذات صلة

الاستشارات