كيف أتعامل مع أهلي الذين لم يدعموني في وقت الشدة؟

0 1

السؤال

السلام عليكم.

أنا مغترب منذ 11 سنة، ولم أر أهلي منذ نفس المدة؛ فقد ابتعدت عن أهلي بسبب الحروب التي حلت في بلادنا، وقد فارقتهم وأنا في عمر صغير، ولم أطلب منهم أي مال منذ ذلك الحين، بينما كان أهلي يطلبون مني المال بشكل متقطع، وكنت ألبي مطالبهم، وأحيانا كنت أرسل لهم المال من نفسي.

ولكن بعد فترة وقعت في مصيبة، ولم تفرج هذه المصيبة عني، ولأحد الأسباب استدنت مبلغا، وعندما سألت أبي تأفف، ولم يقف معي في هذا الموقف، مع علمي على قدرته على تأمين المبلغ، ولكن قناعتهم بأنه يجب أن ينفق الابن على أبويه وليس العكس، مع العلم أن كل الابتلاءات التي مررت بها لم أر منهم إلا دعما كلاميا بسيطا، وكثيرا ما كانوا يلومونني ويؤنبونني، فما هو الواجب تجاه أهل لا يهتمون لحالنا، ولا نجد منهم دعما واضحا؟ وهل علي أي إثم إذا لم أرسل لهم المال؟ مع العلم أن لديهم دخلا ثابتا، ويعيشون في بيت ملك، أما أنا فأدفع إيجارا، وعلي ديون.

وإذا فرجت أموري لا أريد أن أعطيهم المال بشكل مباشر، إنما أريد إرساله من جهة مجهولة كي لا يكون فيها تفضيل على الأهل، أو إلزام لي بأن أرسل لهم بشكل شهري، فهل هذا يجوز؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو عبد الملك حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك هذه المشاعر النبيلة، والحرص على تذكر الوالدين، نسأل الله أن يذهب الحروب، وأن يرفع الغمة عن الأمة، وأن يجمع المسلمين في كل مكان بأهلهم، وأن يعين الأبناء على الوفاء لآبائهم؛ فإن حق الوالدين عظيم، ونكرر لك الشكر على الاهتمام والسؤال.

ونحب أن نؤكد لك أن الإنسان ينبغي أن يدرك أن بر الوالدين عبادة؛ لأن الذي أمر بها هو الله -تبارك وتعالى-، وأن الذي يجازي المحسن فيها هو الله، وأن الذي يعاقب المقصر هو الله تبارك وتعالى.

والإنسان لا يتعامل مع والديه معاملة الند، أو معاملة الزملاء، ولكن يكرمهما، ويبالغ في الإحسان إليهما، ويجتهد في الوفاء لهما، حتى لو حصل منهما تقصير؛ فإن الوالد والوالدة هم أصحاب أكبر فضل على الإنسان بعد الله تبارك وتعالى، ولذلك في الحديث: لا يجزي ولد والده ‌إلا ‌أن ‌يجده ‌مملوكا فيشتريه فيعتقه، لا يمكن أن نوفي حق والدينا مهما كان، ومهما حصل منهم؛ لأنهم سبب وجودنا بعد الله تبارك وتعالى.

واللوم والعتاب لا ينبغي أن يحملك على التقصير في الواجب، وعليه فنحن نقترح حتى وأنت في هذه الظروف بأن لا تنسهم، وترسل ما تستطيعه، وما يتيسر؛ فإن لم تستطع فعليك بالوعد الجميل، بقولك لهم: "أبشروا يا أهلي، إذا يسر الله سأرسل لكم، لأن الله يقول: {وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا}، يعني حسن الاعتذار، تقول لهم: "إذا تخلصت من ديوني -فإن شاء الله- سأعطيكم، ولن أقصر معكم، فأنتم أهلي"، بمثل هذه الكلمات الطيبة، وبمثل هذا المعنى من المعاني المهمة.

أما إذا فرجت الأمور -كما أشرت-، فينبغي أن تعطيهم شيئا من المال بشكل مباشر، حتى لو كان لديهم مال؛ لأن هذا وسيلة إلى إرضائهم، ووسيلة إلى إعادة الأمور إلى وضعها الصحيح، ولا مانع بعد أن يفرحوا بالأموال، وتعود الأمور إلى وضعها الصحيح، أن تخبرهم عن المواقف التي حدثت لك، وأنك كنت في أزمة، وأن هذا التقصير لم يكن تفريطا منك، وإنما كان شيئا خارجا عن إرادتك.

ينبغي عليك أن تسأل عن أحوالهم، وتعرف احتياجاتهم، والوقت المناسب لإرسال المال؛ لأن الصلة تكون بالسؤال عنهما، والاهتمام بهما، وبالدعاء لهما، وبمساعدتهما، وعليك أن تعلم أن الوالد حتى لو كان من أصحاب الأموال، فالدينار والريال والدولار الذي يصله من ابنه له معنى، وله طعم مختلف.

فنسأل الله أن يعينك على القيام بما عليك وإن قصروا، ونحن نكرر لك الشكر على السؤال؛ لأن الذي دفعك إلى السؤال هو هذه المشاعر النبيلة، مشاعر المؤمن الذي يخاف أن يقصر في هذا الواجب من الواجبات العظيمة.

وكون الأب قد تأفف، أو غضب، أو كونه قد لامك، هذه أمور ينبغي أن تمر، وهي أمور طبيعية، ولكن عندما تتبين الحقائق تتغير الأمور، ولو لم تتغير، فالإنسان قد يبتلى بوالد كثير اللوم، أو كثير العتاب، وعليه أن يصبر عليه؛ لأن الصبر على الوالد من أوسع أبواب البر، وإذا لم نصبر على آبائنا وأمهاتنا، فعلى من يكون الصبر! إذا لم يصبر الإنسان على والديه وعلى أهله!

نسأل الله أن يوفقك، وأن يلهمك السداد والرشاد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

مواد ذات صلة

الاستشارات