السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة في 16 من عمري، ولي صديقة تعرفت عليها منذ عشرة أشهر، وتقاربنا بشكل أوضح منذ أربعة أو خمسة أشهر.
هذه الفتاة طيبة، وأنا أحبها، وكانت دائما تقول لي إنني أصبحت أقرب صديقاتها، وإنني بالنسبة لها مختلفة عن باقي صديقاتها، ومميزة لديها.
وأنا أيضا أحبها، لكن لدي وجهة نظر خاصة في الصداقات؛ فأحيانا أحب أن أحكي أمرا معينا لشخص دون غيره، لا لأنني لا أحبها، وإنما لأنني أجد متعة في الحديث عن أمور مختلفة مع أشخاص مختلفين، فقد أحكي لها شيئا لا أقوله لغيرها، وأحكي لغيرها شيئا آخر لا أبوح به لها، وبالنسبة لي كل صديق له تميزه ومكانته الخاصة في قلبي، وهي من بينهم.
كنا كثيرا ما ندخل في نقاشات حادة وخلافات، ثم نتصالح ونستمر كالسابق، لكن في يوم ما دخلنا في نقاش قوي، فسألتني: "من الأقرب لك: أنا أم صديقتنا المشتركة -وهي قريبة لها وقريبة لي أيضا-؟" فأجبتها: "أنتما الاثنتان بنفس القرب، لكن لكل واحدة مكانها الخاص في قلبي"، فتضايقت من جوابي، وظلت تعاملني بطريقة غريبة لفترة، وبعدها صارحتني بأنها انزعجت من كلامي، وأن هناك أمورا شخصية أخرى تزعجها.
كنت أود فقط أن أخبرها بما ضايقني أنا أيضا، لا أكثر، لكنها ردت قائلة: "أنت تجرحيني"، أو كلاما قريبا من ذلك، فحزنت وقلت لها: "حسنا، لن أتحدث." ثم بعد فترة قصيرة عاد النقاش مرة أخرى، وحين أردت أن أفتح الموضوع، قالت لي: "أنت تتحدثين عن شيء حدث منذ أسبوع"، وهذا جرحني جدا.
ومنذ تلك الفترة تغير أسلوبها في التعامل معي، فلم نعد نتحدث كما في السابق، وبدأت أشعر أنها لا ترغب في أن نخرج بمفردنا أو نتكلم على الهاتف كما كنا نفعل دائما.
سألتها مرارا إن كانت منزعجة مني، فكانت تجيبني: "لا، أنت تكبرين الموضوع وتفكرين فيه أكثر من اللازم"، ومرة أخرى قالت لي: "أنا تغيرت بشكل عام، وليس تجاهك فقط"، لكن أسلوبها لم يعد كما كان، ولا أعلم حقا ماذا أصابها.
أريد حلا، وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
البنت الكريمة/ جيهان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في استشارات إسلام ويب.
أولا: رغبة الإنسان في توجيه واستقبال عاطفة الحب، بأن يكون محبا ومحبوبا، أمر فطري يشعر الإنسان بقيمته، لا سيما وأنت في سن السادسة عشرة من عمرك، وهي سن يحتاج الإنسان فيها إلى التعبير والتقدير بدرجة كبيرة.
ثانيا: واضح من سؤالك أن الإشكال لدى صديقتك أعظم مما لديك؛ فأنت - كما ذكرت - ترين أن كل شخص مميز بطريقته المختلفة، وليس لديك استئثار بمحبتها وحدها، بل عندك صديقات غيرها.
ثالثا: من الظاهر أن صديقتك عندها صورة من صور العشق، أو ما يسمى بـ (التعلق المرضي) أو (حب التملك) والذي من مظاهره كراهيتها أن يوجد محبوب آخر يشاركها في قلبك، وأن يكثر لومها لك على ضعف التعبير عن المشاعر، وأن يكون عندها شك وضعف ثقة في إخلاصك لها، مع رغبتها في الاستحواذ الكامل على محبتك.
رابعا: قد تكون أسباب هذه المشكلة لدى صديقتك ناشئة عن حرمان أسري، أو وجود مشاكل داخل الأسرة، أو عدم وجود صديقات أخريات، أو غير ذلك.
خامسا: هذا الذي ذكرته عن صديقتك مخالف للتنظيم العاطفي الصحيح القائم على التوزيع والتوازن:
أما التوزيع: فمعناه أن تصرف طاقة المحبة إلى جهات متعددة؛ فأعظمها لله تعالى، ثم ما كان للبشر فأعلاه للنبي ﷺ، وما كان للأهل فأعلاه للوالدين، ثم يقسم ما تبقى بين الأصدقاء والأقارب وسائر الناس.
وأما التوازن: ففي عدم المبالغة في المحبة، كما ورد عن علي -رضي الله عنه- قوله: أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، ففي هذا محافظة على المسافة المعتدلة من المحبوب حذرا من التعذب به إذا تأثرت هذه العلاقة.
سادسا: للأسف بعض الفتيات تظن أن المحرم فقط هو الارتباط العاطفي بالشباب من الجنس الآخر، وأنه إذا كانت علاقتها مع فتاة مثلها فهي علاقة آمنة لا خوف عليها أبدا، والصحيح أن ضابط العلاقة العادية بين الفتيات أن يوزع الحب على عدد من الأخوات، وكماله أن يكون معياره الطاعة والصلاح والتعاون على الخير، مع وجود شيء من الاسترواح العام لهذه الفتاة دون غيرها، بشرط ألا يكون الباعث على ذلك أمرا في شكلها يقود إلى شيء من الانحرافات والمحرمات.
سابعا: نصيحتنا لك أن تستثمري هذه الفرصة من الفتور في علاقتها بك لتعاونيها على قطع هذا التعلق المرضي بجعل تواصلك معها محدودا، وعلاقتك معها عادية.
ثامنا: صارحيها بحدود علاقتكما، ووجهيها أن تكون قوية الشخصية، وقبل ذلك وجهيها إلى الارتباط بالله تعالى، والسعي لتقوية محبته وتعظيمه وعبادته.
تاسعا: احرصي على عدم إعادة علاقتها معك إلى مستوى الارتباط السابق، فهذا الأمر مفيد لها على المدى الطويل، ولو كان مؤلما لها في البدايات، فلا تحملك الشفقة عليها على مزيد من التودد لها، والزمن كفيل بالتشافي -بإذن الله تعالى-.
عاشرا: ما دمت بهذا العقل والفهم والحرص على الخير، الذي ظهر من خلال سؤالك واستشارتك: أن توجهي طاقة الحب التي لديك في محبة الجليل الودود سبحانه، والارتباط بأسمائه وصفاته وكتابه وسنة وسيرة نبيه ﷺ، وأن توجهي طاقاتك لتعلم ما ينفعك من العلم الشرعي، وفعل ما ينفعك في دينك ودنياك.
حفظك الله، وكتب الشفاء لزميلتك.