يصعب عليّ البقاء بلا هدف والجامعة المتوفرة بعيدة جداً!!

0 1

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا جزيلا على هذا الموقع، فقد نفعني كثيرا.

بعد حصولي على شهادة البكالوريا، خططت أنا ووالدي أن أدرس عامين في مدينتي، ثم أكمل أربع سنوات في جامعة خاصة بمدينة أخرى؛ لأنني لم أنجح في اختبار القبول المحلي.

بعد العامين، هداني الله وتبت إليه، وكأنني أسلمت من جديد، فرفضت السفر بحكم أنه لا يجوز شرعا، وجلست في البيت، كانت عائلتي قلقة جدا على مستقبلي، وبعد مرور عام حاولوا إقناعي بالسفر مجددا، بدأت البحث من جديد، ووجدت (في الموقع) أنه يمكنني السفر بشرطين: أن يرافقني محرم ويقيم معي، أو أن أقيم في سكن داخلي للبنات يكون موثوقا وآمنا، وهذا ما اشترطته على عائلتي.

ذهبنا لرؤية جامعة أقرب من تلك التي كانت في المخطط الأول، لكنني شعرت أنها مليئة بعرب يتبعون ملة الكفار، فرفضت الدراسة فيها، كنا على وشك العودة، فأرسلت أختي اقتراحا لجامعة أخرى في نفس المدينة، ذهبنا لرؤيتها، وكان فيها جامع، أحببت الأمر وشعرت بالطمأنينة.

المشكلة أن والدي كبير في السن ومريض، فلم يستطع السفر معي في كل مرة، فبدأت أتنقل بالقطار وحدي لمدة خمس ساعات، وأشعر بالذنب كثيرا، أقضي معظم الوقت في قراءة القرآن، لكنني أشعر أنني أعصي الله، فلا أخشع في الصلاة كما كنت، وأشعر بالخجل من نفسي، أكثر دعائي بعد طلب المغفرة أن يرزقني الله زوجا صالحا، فأنا لا أريد شيئا من الدنيا.

انتهى العام، وبدأت المشكلات تتفاقم، التخصص الذي اخترته في هذه الجامعة غير معترف به، فقرر والدي أن يرسلني إلى جامعة أبعد، تبعد 600 كم (10 ساعات بالقطار)، هذه الجامعة تضم جميع أنواع البشر والديانات، وفيها الكفار وأشباههم ممن لا أرتاح لهم، لكنها تتيح آفاقا أوسع، وسأتعلم فيها كثيرا، وقد تبدأ مسيرتي المهنية قبل التخرج.

العرض جيد، لكنني لا أريد أن أعصي الله، ولا يمكنني البقاء في مدينتي؛ لأن صلاحية شهادة البكالوريا انتهت، ولم يتبق لي سوى البقاء في المنزل، أنا لا أطلب مالا أو نجاحا، لكن يصعب علي أن أبقى بلا هدف، وأخشى الفقر.

أسأل الله دائما أن يرزقني زوجا صالحا، ولا أدري ماذا أفعل. شكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أروى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أتفهم ما تمرين به -أختي الكريمة- من صراع داخلي بين رغبتك في حفظ دينك، وخوفك من الوقوع في معصية الله تعالى، وبين قلقك على مستقبلك الدراسي والدنيوي، وهذا الشعور طبيعي لكل من صدق في توبته، وأراد أن يعيش لله تعالى حقا.

وأقول لك بداية: احمدي الله تعالى على أن هداك للتوبة والرجوع إليه، فتلك أعظم نعمة، وقد قال سبحانه: ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾ [الطلاق: 2-3]، فاليقين أن التزامك بطاعة الله تعالى لن يضيعك، هو سبب بركة في رزقك وحياتك.

ثانيا: مسألة السفر للدراسة تحتاج إلى توازن بين أمرين:
1. الحفاظ على ضوابط الشرع: فالسفر بلا محرم طويلا لا يجوز، وقد قال النبي ﷺ: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم (رواه البخاري ومسلم)، لكن العلماء أجازوا ما تدعو إليه الحاجة والضرورة إذا كان في سفر آمن، وخاصة مع توفر سكن آمن للطالبات، أو مرافقة جماعية مأمونة، فإن وجدت بيئة داخلية للبنات موثوقة، أو سكن آمن يبعد عن مواطن الفتنة؛ فهذا يخفف الإشكال.

2. الأخذ بالأسباب: الإسلام لا يمنع طلب العلم ولا بناء المستقبل، بل هو عبادة إذا نويت به خدمة دينك وأهلك، وقد قال ﷺ: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة (رواه مسلم).

ثالثا: لا تجعلي وساوس الشيطان تكبلك، فشعورك بالذنب؛ لأنك تسافرين بالقطار، أو لأنك بين طلاب غير ملتزمين؛ قد يكون في جزء منه ورع محمود، لكن لا تجعليه يتحول إلى وسواس يوقفك عن الخير، أنت لم تختاري البيئة، لكنك اخترت أن تحصني نفسك بالقرآن والصلاة والدعاء، وهذا خير عظيم، والله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها.

رابعا: في الجانب العملي أقترح لك:
1. التخطيط الواقعي: اجلسي مع والدك وحددي: هل يمكن تأجيل الدراسة لعام آخر، مع إعادة المحاولة في جامعات أقرب، أم أن الفرصة الوحيدة الآن في الجامعة البعيدة؟ ضعي خطة واضحة حتى يطمئن قلبك.

2. السكن المأمون: ابحثي جديا مع أهلك عن سكن داخلي للطالبات موثوق، فهذا حل شرعي وعملي يقلل من قلقك، ويرضي والديك.

3. صحبة صالحة: اجتهدي أن تحيطي نفسك بزميلات صالحات ملتزمات، حتى لو كن قليلات؛ فهن خير معين لك في الغربة، قال تعالى: ﴿واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي﴾ [الكهف: 28].

4. تحصين النفس: اثبتي على ورد يومي من القرآن والذكر، واجعلي دراستك عبادة؛ حتى لا تشعري أنك تعيشين في معصية، بل في طاعة.

5. الزواج والرزق: دعاؤك بالزوج الصالح حسن، لكن لا تجعلي حياتك متوقفة عليه، فالزواج رزق يأتي في وقته، أما أنت فخذي بالأسباب المتاحة الآن، وكوني على يقين بأن الله تعالى سيعوضك خيرا.

خامسا: لا تخشي الفقر، ولا تجعلي الخوف من المستقبل يثنيك عن الإقدام، فقد قال النبي ﷺ: لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصا وتروح بطانا (رواه الترمذي).

خلاصة القول:
• إن تيسر لك سكن آمن للطالبات؛ فالتحاقك بالجامعة البعيدة مع التحصن بالدين والصحبة الصالحة، خيار مقبول شرعا وعمليا.

• وإن لم يتوفر ذلك، فالأولى أن تصبري وتنتظري فرصة أخرى، أو تختاري بدائل تعليمية أقرب، ولو عبر التعليم الإلكتروني، أو المعاهد المحلية.

• والأهم: أن تكوني على يقين أن طاعة الله تعالى لا تعني ضياع مستقبلك، بل هي مفتاح بركته.

أسأل الله تعالى أن يشرح صدرك، ويختار لك الخير حيث كان، وأن يبدلك طمأنينة بعد حيرة، ويعجل لك بالزوج الصالح الذي يعينك على دينك ودنياك.

مواد ذات صلة

الاستشارات