السؤال
أنا فتاة عمري 27 سنة، تحدث معي أمور تبدو مستحيلة، أقسم لكم أن حظي السيئ لا يمكن أن يكون حقيقيا، لا أتوفق في أي شيء في حياتي، ومن المستحيل أن يحدث لي شيء واحد جيد، لم يمر علي يوم واحد إلا وكان مليئا بالشر والحزن والأحداث السيئة.
بدأت مؤخرا أفكر: هل يمكن أن يكون كل هذا نتيجة سحر؟ رغم أنني لا أملك أصدقاء أو معارف، وحياتنا أساسا أسوأ من حياة من حولنا، لذا من المستبعد أن يفكر أحد في عمل سحر لي، لكن لا أعلم، هذا الحظ السيئ لا يبدو حقيقيا أبدا.
أواظب على الصلوات، وأذكار الصباح والمساء، والنوم والاستيقاظ، وأحاول قدر الإمكان المواظبة على قراءة الورد اليومي من القرآن، رغم أنني أحيانا أنساها بضعة أيام، فأعوضها في نفس اليوم حتى أستمر، ومع ذلك، لا أوفق في أي شيء.
كلما حصلت على فرصة، أشعر أنها ستكون ثمرة صبري على سوء الحظ، ثم ينتهي بي الأمر أكثر تعاسة؛ لأن هذه الفرصة تكون أسوأ من سابقتها، وكأنني نحس على عائلتي.
لا أوفق في أي عمل، وكلما حصلت على وظيفة لا أستمر بها، عندما أوقع العقد، تبدأ فورا المشاكل، وأضطر لإكمال السنة وأنا كارهة لكل شيء، بسبب عدم قدرتي على دفع غرامة فسخ العقد قبل انتهاء السنة، رغم أنني لا أوقع أي عقد دون صلاة استخارة، وأصليها عدة أيام، وأشعر حقا بالقبول تجاه العمل، ودائما ما أدعو الله أن يختار لي الخير، وألا يتم قبولي في عمل ليس فيه خير لي، وكلما تم قبولي، أصلي صلاة الاستخارة قبل توقيع العقد، ولا أشعر إلا بالقبول، لكن فور توقيعي تبدأ المشاكل، وأتسبب بفضائح كبيرة لنفسي.
كل الفتيات اللواتي كنت أعرفهن تزوجن ويعشن بسعادة، لكن لم يتقدم لي أحد طوال حياتي، ولا مرة واحدة، أعيش وأنا أنتظر موتي، لست متمسكة بأي شيء في الدنيا، أقسم أنني لا أريد سوى الموت، لكن حتى هذا لا أعلم إن كان مكتوبا لي في عمر صغير أم لا، لا أريد أن أكبر في السن وأنا بهذا الحظ التعيس!
أدعو ليلا ونهارا: "اللهم أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني ما علمت الموت خيرا لي، وراحة لي من كل شر"، لا أنظر في رزق أحد، ولا أريد حياة أحد، أنا فقط أريد أن تنتهي حياتي هنا، وأذهب إلى مكاني الحقيقي، دائما ما أشعر أن مكاني ليس في الدنيا، ومع كل هذه الأشياء السيئة، يبدو أن الحياة كلها ليست خيرا لي، لا أعلم لماذا ما زلت حية.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Layan حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
كلماتك مؤلمة وصادقة، وتحمل تعبا نفسيا عميقا، لكن خلفها قلب يدعو الله تعالى، وتصلين، وتقرئين القرآن، وهذه كلها علامات خير كبيرة، فالقلب الذي ما زال يطرق باب الله تعالى لا يغلق في وجهه أبدا، ودعيني أبدأ معك من أصل عظيم في القرآن، هو قوله تعالى: "وعسىٰ أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ۖ وعسىٰ أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ۗ والله يعلم وأنتم لا تعلمون" (البقرة: 216).
هذه الآية وحدها كفيلة أن تغير نظرتك للحياة كلها، ليس شرطا أن يكون ما يجري معنا من أقدار الله تعالى عقوبة، بل قد يكون تأديبا، أو إعدادا لأمر مفرح مستقبلا، أو حماية من أمر أشد.
وكم من إنسان حرم وظيفة، فأنقذه الله تعالى من بيئة تفسد دينه، وكم من زواج لم يتم، فكان حفظا من ألم مستقبلي لا يطاق، الخلاصة: (والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، فطيبي نفسا عن الله تعالى وأقداره، ذاك كمال الإيمان.
ثم اعرفي أن ما تمرين به ليس سحرا ولا لعنة، هذه المشاعر التي تصفينها: (التعاسة المستمرة، الإحساس بالنحس، الإحباط بعد المحاولات) تتوافق تماما مع ما يسميه علماء النفس الاكتئاب التراكمي الناتج عن الإحباط المتكرر، وليس السحر.
وسلوة المؤمن في ذلك قوله ﷺ: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه"، متفق عليه، أنت لست منحوسة، والتشاؤم ليس من ديننا في شيء، أنت مبتلاة، والابتلاء إذا صبر عليه صار سلما إلى رفعة في الدنيا والآخرة.
تذكري تلك النصوص التي تبعث في نفسك الأمل، وتجعلك مستمسكة بالرضا عن ربك تبارك وتعالى، قال ﷺ: "عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير" رواه مسلم، وقال تعالى: "إن مع العسر يسرا" تأملي: "مع" وليس "بعد"، أي أن اليسر يسير بجانب العسر لكننا لا نراه إلا بعد صبر، وقال جل جلاله: "وربك يخلق ما يشاء ويختار"، فاختياره سبحانه لك مختلف عن اختيار الناس، وكل طريق يغلق أمامك يفتح لك طريقا إلى الله تعالى أقصر، وكل دمعة هي سهم دعاء يصعد إلى السماء.
وهنا دعيني أقترح عليك بعض الخطوات العملية لتجاوز هذه الدائرة المظلمة:
- أعيدي تعريف النجاح: فالنجاح ليس وظيفة ولا زواجا، بل أن تكوني مع الله تعالى مطمئنة مهما تبدل الواقع.
- أشغلي نفسك بمشاريع عملية بعيدا عن الوساوس والفراغ، وانظري لعل الأعمال التي تعرض عليك غير مناسبة لتركيبتك ولوضعك، بدلا من أن تلومي نفسك، وتندبي قدرك، انظري الأسباب وراء تركك لتلك الأعمال، لعلها تقودك لتعرفي ما هو الأنسب لك.
- مارسي الامتنان العملي، قدمي معروفا صغيرا يوميا، تصدقي، أرسلي رسالة دعم، ساعدي أحدا، قال ﷺ: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس"، الخير الذي تبثينه سيعود إليك طمأنينة مضاعفة.
- أعيدي التواصل الاجتماعي تدريجيا: العزلة الطويلة تغذي الأفكار السوداوية، اختاري قريبة صالحة أو صديقة راقية، شاركيها مشاعرك، فذلك معين -بإذن الله- على خروجك من وضعك النفسي الراهن.
- اقرئي القرآن الكريم بنية الشفاء لا الواجب، قال تعالى: "وننزل من القرآن ما هو شفاء"، افتحي المصحف كأنك تفتحين نافذة على السماء تطمئن قلبك، وترضيك عن ربك، لا دفتر متابعة.
- اعرضي نفسك على مختصة نفسية مسلمة: فليس ضعفا ولا قلة إيمان، بل شجاعة أن تطلبي العون، هذا النبي ﷺ نفسه كان يحزن ويحتاج من يواسيه، فيبعث الله تعالى له جبريل عليه السلام ليقول: "اقرأ باسم ربك"، أي استمد قوتك من علاقتك بربك تعالى.
ختاما -يا أختي الكريمة-: الله تعالى ما كتب لحياتك أن تكون عذابا، بل طريقا للارتقاء، ربما ظننت أن السعادة في الوظيفة والزواج، لكن الله تعالى يدخر لك سعادة في القرب منه لا تعادلها الدنيا كلها، قال ﷺ: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي؛ فله الرضا، ومن سخط؛ فعليه السخط" رواه الترمذي وحسنه.
استمري في الدعاء الجميل الذي تقولينه: "اللهم أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني ما علمت الموت خيرا لي"، وأضيفي عليه من الآن "واجعلني راضية بما قسمته لي، واجعل قلبي لا يرى في قضائك إلا الخير".
شرح الله صدرك للخير، وطيب نفسك بقضائه.