العذر بالجهل ليس قول ابن تيمية وحده

0 364

السؤال

من وافق ابن تيمية في عذر الجاهل مطلقا، والمخطئ؟ هل هو إذا شاذ في الفروع والأصول؟ أم تعتبر موافقة الشنقيطي له؟ وهل يؤيده السلف أو كبار الأئمة في هذا؟ وهل نفهم أنه يصحح صلاة من صلى ناسيا أنه جنب؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- لم يكن شاذا في هذه المسألة، وقد استدل لها بنصوص الوحي، وقد قدمنا بالفتوى رقم: 149471 أن العذر بالجهل يقول به جميع العلماء إلا أنهم يتفاوتون في كيفية الأخذ به، وممن نص عليه النووي وابن قدامة وابن حزم والسيوطي والقرافي.

فقد قال النووي عليه الرحمة: إذا ترك الصلاة جاحدا لوجوبها، أو جحد وجوبها ولم يترك فعلها في الصورة، فهو كافر مرتد بإجماع المسلمين، ويجب على الإمام قتله بالردة إلا أن يسلم، ويترتب عليه جميع أحكام المرتدين. وسواء كان هذا الجاحد رجلا أو امرأة هذا إذا كان قد نشأ بين المسلين، فأما من كان قريب العهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة من المسلمين بحيث يجوز أن يخفى عليه وجوبها فلا يكفر بمجرد الجحد، بل نعرفه وجوبها، فإن جحد بعد ذلك كان مرتدا. انتهى.

وقال ابن قدامة رحمه الله: تارك الصلاة لا يخلو إما أن يكون جاحدا لوجوبها، أو غير جاحد، فإن كان جاحدا لوجوبها نظر فيه، فإن كان جاهلا به، وهو ممن يجهل ذلك، كالحديث الإسلام، والناشئ ببادية، عرف وجوبها، وعلم ذلك، ولم يحكم بكفره؛ لأنه معذور. وإن لم يكن ممن يجهل ذلك، كالناشئ من المسلمين في الأمصار والقرى، لم يعذر، ولم يقبل منه ادعاء الجهل، وحكم بكفره؛ لأن أدلة الوجوب ظاهرة في الكتاب والسنة، والمسلمون يفعلونها على الدوام، فلا يخفى وجوبها على من هذا حاله، فلا يجحدها إلا تكذيبا لله تعالى ولرسوله، وإجماع الأمة وهذا يصير مرتدا عن الإسلام. انتهى.

وقال ابن حزم في الفصل: وكذلك من قال: إن ربه جسم من الأجسام، فإنه إن كان جاهلا، أو متأولا فهو معذور لا شيء عليه ويجب تعليمه، فإذا قامت عليه الحجة من القرآن والسنن، فخالف ما فيهما عنادا، فهو كافر، يحكم عليه بحكم المرتد، وأما من قال: إن الله عز وجل هو فلان، لإنسان بعينه، أو أن الله تعالى يحل في جسم من أجسام خلقه، أو أن بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبيا غير عيسى ابن مريم، فإنه لا يختلف اثنان في تكفيره، لصحة قيام الحجة بكل هذا على كل أحد، ولو أمكن أن يوجد أحد يدين بهذا لم يبلغه قط خلافه لما وجب تكفيره حتى تقوم عليه الحجة.

وقال السيوطي -رحمه الله-: كل من جهل تحريم شيء مما يشترك فيه غالب الناس، لم يقبل منه دعوى الجهل، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية يخفى فيها مثل ذلك كتحريم الزنا، والقتل، والخمر، والكلام في الصلاة، والأكل في الصوم. انتهى.
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب: لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر، والصنم الذي على أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم. اهـ.
 وقد سبق أن بينا ضابط ما يعذر فيه وما لا يعذر فيه في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 19084 ، 19773 ، 55353 ، 53784 156483 فليرجع إليها.

 واعلم أن شيخ الاسلام لا يصحح صلاة من صلى ناسيا أنه جنب. فقد نص في عدة مواضع من كتبه أن طهارة الحدث لا تسقط.

فقد قال في شرح العمدة: فإن طهارة الحدث، والسترة تسقط بالعجز ولا تسقط بالنسيان. اهـ.

وقال: وإنما يسمى شرطا ما لا يسقط عمدا ولا نسيانا كطهارة الحدث. اهـ.

وقال في الفتاوى: فإن طهارة الحدث من باب الأفعال المأمور بها، ولهذا لم تسقط بالنسيان والجهل.  اهـ.

وقال أيضا: والفرق بين طهارة الحدث، والخبث أن طهارة الحدث من باب الأفعال المأمور بها، فلا تسقط بالنسيان والجهل ويشترط فيها النية. اهـ.

وقد نقل النووي الإجماع على عدم صحة صلاة ناسي الحدث  فقال في المجموع: أجمع المسلمون على تحريم الصلاة على المحدث، وأجمعوا على أنها لا تصح منه سواء إن كان عالما بحدثه أو جاهلا أو ناسيا، لكنه إن صلى جاهلا أو ناسيا فلا إثم عليه، وإن كان عالما بالحدث وتحريم الصلاة مع الحدث فقد ارتكب معصية عظيمة. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة