دلالات التوسعة على العصاة وكثرة المصائب على المسلمين

0 144

السؤال

ما الحكمة في جعل من هم في قربة من الله عز وجل في حال متعسر، والدنيا تضيق من حولهم. والذين يعصونه حتى من المسلمين في ترفه ونعيم؟
ما الحكمة من أن يكون البعيد عن الله مثلا في الدراسة متميزا عن الجميع، والذي يكون قريبا منه لا يصل لمثل ذلك مع الأخذ بالأسباب الممكنة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد دلت أدلة كثيرة على أن نقص المال والثمرات، وقلة ذات اليد قد تكون علامة توفيق؛ فقد روى ابن حبان، والطبراني عن فضالة بن عبيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم من آمن بك، وشهد أني رسولك، فحبب إليه لقاءك، وسهل عليه قضاءك، وأقلل له من الدنيا. ومن لم يؤمن بك، ولم يشهد أني رسولك، فلا تحبب إليه لقاءك، ولا تسهل عليه قضاءك، وأكثر له من الدنيا. صححه الألباني.

قال المناوي: وذلك هو غاية الشقاء، فإن مواتاة النعم على وفق المراد من غير امتزاج ببلاء ومصيبة، يورث طمأنينة القلب إلى الدنيا وأسبابها حتى تصير كالجنة في حقه فيعظم بلاؤه عند الموت بسبب مفارقته. وإذا كثرت عليه المصائب انزعج قلبه عن الدنيا ولم يسكن إليها، ولم يأنس بها فتصير كالسجن له، وخروجه منها غاية اللذة كالخلاص من السجن.

 وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفا.

وعن قتادة بن النعمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أحب الله عبدا حماه الدنيا، كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء. رواه الترمذي، وابن ماجه ،وصححه الألباني.

وفي الصحيحين ...قال عمر ثم رفعت بصري في بيته، فو الله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر غير أهبة (جلود) ثلاث، فقلت: ادع الله فليوسع على أمتك، فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله. وكان متكئا فقال: أو في شك أنت يا بن الخطاب؟! أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا.

وعلة ذلك أن يبقى أجره كاملا يتقاضاه يوم القيامة غير منقوص؛ روى مسلم عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة، إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة، ويبقى لهم الثلث، وإن لم يصيبوا غنيمة، تم لهم أجرهم.

  قال ابن دقيق العيد في الإحكام : ...قال القاضي: وأوجه من هذا عندي في استعمال الحديثين على وجهيهما أيضا: أن نقص أجر الغانم بما فتح الله عز وجل عليه من الدنيا، وحساب ذلك بتمتعه عليه في الدنيا، وذهاب شظف عيشه في غزوه، وبعده، إذا قوبل بمن أخفق، ولم يصب منها شيئا، وبقي على شظف عيشه، والصبر على غزوه في حاله، وجد أجر هذا أبدا في ذلك وافيا مطردا، بخلاف الأول، ومثله في الحديث الآخر فمنا من مات، ولم يأكل من أجره شيئا، ومنا من أينعت له ثمرته، فهو يهدبها ، .... فظاهره جار على القياس؛ لأن الأجور قد تتفاوت بحسب زيادة المشقات، لا سيما ما كان أجره بحسب مشقته، أو لمشقته دخل في الأجر.

ولذا لما احتضر سلمان بكى وقال:  إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهدا فتركنا ما عهد إلينا، أن يكون بلغة أحدنا من الدنيا كزاد الراكب. قال: ثم نظرنا فيما ترك فإذا قيمة ما ترك بضعة وعشرون درهما، أو بضعة وثلاثون درهما. أخرجه أحمد، وابن حبان، وصححه الألباني.

وأما التوسعة على العصاة فاستدراج؛ كما بينا بالفتوى رقم: 36643 ، وتوابعها.

ومع هذا فالأمر ليس بهذا التعميم، فهناك مسلمون صالحون قد وسع الله عليهم في أرزاقهم، وبارك في أموالهم.

وأما ما ذكرته أن القريب من الله يتأخر عن المذاكرة، ولو أخذ بالأسباب، فغير صحيح، ولا دليل عليه من الواقع، بل الواقع أن المسلمين كلما اجتهدوا في تحصيل العلوم اجتهادا حقيقيا سبقوا غيرهم.
وراجع للفائدة الفتاوى أرقام: 13849 ، 220030، 178931.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات