مدى مشروعية طاعة الأم إذا منعت ابنها من التصدق

0 228

السؤال

عندي مال، أحب التصدق به، ولكن أمي أقسمت بالله علي ألا أتصدق به، وقالت لي: إن فعلت فهو عقوق.
فهل يجوز لي أن أتصدق بهذا المال إذا لم تعلم أمي ذلك أم لا يحل لي ذلك؛ بسبب ما قالت لي أمي؟
ماذا أفعل هل أتصدق إذن بمالي ولا أخبر أمي؟ وإن كانت قد حلفت ووعدتها ألا أتصدق. فهل أتصدق بدون علمها ولا شيء علي؟
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الصدقة لفظ عام يطلق على الصدقات الواجبة كالزكاة، وعلى غير الواجبة. فإن كانت هذه الصدقة واجبة كالزكاة، فليس لأمك منعك من إخراجها، وعليك أن لا تطيعيها في ذلك؛ فإن الزكاة ركن من أركان الإسلام يجب أداؤها، ولا تجوز طاعة في منعها. وإن أمكن الجمع بين إخراجها، وبين عدم إغضاب الأم، كأن تخرج دون علمها أو نحو ذلك... فذلك أولى. 

أما إذا كانت الصدقة غير واجبة، ومنعتك أمك من إخراجها. فالواجب عليك طاعة أمك؛ لأن طاعة الوالدين واجبة، والصدقة مستحبة، وإذا تعارض واجب مع مستحب، قدم الواجب باتفاق العلماء.
 قال القرافي- رحمه الله- في الفروق: ومما يدل على تقديم طاعتهما على المندوبات ما في مسلم أن رجلا قال: يا رسول الله أبايعك على الهجرة والجهاد قال: هل من والديك أحد حي ؟ قال: نعم كلاهما. قال: فتبتغي الأجر من الله تعالى؟ قال: نعم. قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما. فجعل عليه السلام الكون مع الأبوين أفضل من الكون معه، وجعل خدمتهما أفضل من الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سيما في أول الإسلام. ومع أنه لم يقل في الحديث أنهما منعاه بل هما موجودان فقط، فأمره عليه السلام بالأفضل في حقه وهو الكون معهما، وفرض الجهاد فرض كفاية يحمله الحاضرون عند النبي صلى الله عليه وسلم عنه، ويندرج في هذا المسلك غسل الموتى، ومواراتهم وجميع فروض الكفاية إذا وجد من يقوم بها. وهذا الحديث أعظم دليل وأبلغ في أمر الوالدين، فإنه عليه الصلاة والسلام رتب هذا الحكم على مجرد وصف الأبوة مع قطع النظر عن أمرهما وعصيانهما، وحاجتهما للولد وغير ذلك من الأمور الموجبة لبرهما، بل مجرد وصف الأبوة مقدم على ما تقدم ذكره. وإذا نص النبي عليه الصلاة والسلام على تقديم صحبتهما على صحبته عليه السلام فما بقي بعد هذه الغاية غاية، وإذا قدم خدمتهما على فعل فروض الكفاية، فعلى النفل بطريق الأولى بل على المندوبات المتأكدة. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في الفتاوى الكبرى: ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضره، وجب، وإلا فلا. انتهى.
وما ذكرته من أنها أقسمت بالله عليك أن لا تتصدق، وأنك وعدتها بذلك، فإنه يؤكد وجوب برها في عدم التصدق، فإن خالفت وقعت في عقوقها.
على أننا ننصحك أن تذكر أمك بفضل الصدقة وثوابها عند الله، فإن اقتنعت فذاك، وإلا فلا تتصدق ولو بدون علمها.

وجميع ما ذكرناه هو فيما إذا كان للوالدة غرض صحيح من أمرك بترك الصدقة المندوبة، وأما إذا كان ذلك مجرد حمق منها وليس لها فيه غرض صحيح، فإن طاعتها فيه حينئذ لا تجب؛ وراجع في هذا فتوانا رقم: 76303.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة