هل طلب الهدية يتنافى مع الإخلاص في طلب العلم

0 122

السؤال

كتب الله أجركم، وأثقل موازينكم بجهودكم.
سؤالي -أحسن الله إليكم-: إني فزت على مستوى المنطقة، وفرحت فرحا شديدا، وكذلك فرح عمي، وفرحت أختي، ولم يعطني الهدية أحدهما، ولا حتى أبي؛ فإن حزنت وشكوت إليهما بذلك (أنهم لم يعطوني)، أيكون من طلب العلم لغير الله؟
فإني حزنت أكثر وأكثر؛ لأن الذي أعرف منهم أنهم فرحوا بفوزي، لكن لم يفعلوا لي شيئا! علما أني لا أتذكر أنه كان ببالي من قبل أني إن فزت سأطلب منهم الهدية!
فما الحكم في كلتا الحالتين: كان ببالي من قبل الفوز أني سأطلب، أو حزنت حين لم يعطوني شيئا بعد الفوز؛ هل أحد الأمرين يكون من طلب العلم لغير الله تعالى؟
والله المستعان، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فإنا نسأل الله لك التوفيق في طلب العلم، وننصحك بالإعراض عن الوسوسة في هذا الأمر؛ فإن الأصل في طالبة العلم أنها لم تطلبه لغير الله تعالى، وكونها تتوق لإهداء الأهل إليها بمناسبة النجاح لا يؤثر في ذلك؛ لأن من عادة الأهالي الإهداء للأولاد بسبب أي مناسبة، فإذا لم يفعلوا ذلك قد يقع في نفس بعض الأولاد أو البنات شيء بسبب ذلك، ونرجو أن لا يكون ذلك مؤثرا على ما سبق من التحصيل الدراسي؛ لأن الممنوع في الطلب هو أن تطلب الدارسة العلم لا تريد به إلا مصلحة دنيوية، وأما إن طلبته لله، ثم كان في ذهنها أنها ربما تجد تشجيعا أو فائدة، فهذا لا يجعلها مرائية؛ ففي الحديث: من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله تعالى، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة -يعني ريحها-. رواه أبو داود، والحاكم، وصححه ووافقه الذهبي، والنووي.

قال أبو الحسن المباركفوري: أي: لا يتعلمه لغرض من الأغراض إلا ليصيب به شيئا من متمتعات الدنيا. وفيه دلالة على أن الوعيد المذكور لمن لا يقصد بالعلم إلا الدنيا، وأما من طلب بعلمه رضا المولى، ومع ذلك له ميل ما إلى عرض الدنيا، فخارج عن هذا الوعيد؛ فابتغاء وجه الله يأبى إلا أن يكون متبوعا، ويكون العرض تابعا. اهـ. من مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 1 / 326.

 وقال الشيخ عبد المحسن العباد في شرحه لهذا الحديث من سنن أبي داود: إن قيل: هل يدخل في هذا الحديث الاشتراك في المسابقات التي عليها جوائز، إذا كان طالب العلم ممن يحرص على العلم؟ الجواب: كون الإنسان يشتغل بالعلم من أجل معرفة الحق والهدى، ثم بعد ذلك جعلت مسابقة فيها جوائز ودخل فيها، فهذا لا يخرجه عن كونه تعلم العلم من أجل معرفة الحق والعمل به؛ لأنه لم يتعلم من أجل الجوائز، ولم يكن الباعث له أن يكون عنده استعداد للمنافسة في الجوائز، وإنما تعلمه لمعرفة الحق والهدى، وهذا جاء عرضا، وتبعا، وشيئا طارئا، لم يكن هو المقصود عند التعلم وعند الاشتغال بالعلم. وأما هل يدخل في هذا من يدرس ليصبح مدرسا، ويحصل على الراتب؟ فإذا كان غرضه الدنيا فقط، فله نصيب من هذا الحديث، وإن كان قصده أنه يتعلم الحق ويعمل به وينفع الناس به، فهذا من الثواب المعجل الذي يعجله الله له في الدنيا قبل الآخرة؛ لأن الإنسان قد يعلم، ويرشد الناس، ويفيد التلاميذ، ويكون سببا في هدايتهم، وفي استقامتهم، مع كونه مدرسا، ويأخذ الراتب الذي يعطى للمدرسين، فإذا كان الباعث له أن يفيد الناس، وأن يفيد الطلاب، وأن يكون عونا لهم على معرفة الحق والهدى، فلا شك أنه على خير؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ولكل امرئ ما نوى. شرح سنن أبي داود للشيخ العباد.

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة عن حكم الجوائز التي تعطى تشجيعا على حفظ القرآن: لا نعلم بذلك بأسا؛ لأن ذلك وسيلة لتحقيق غاية شرعية نبيلة، والوسائل لها حكم الغايات. وبالله التوفيق. اهـ.

وجاء فيها أيضا: لا بأس بمنح جوائز نقدية لحفز همم الطلاب على حفظ كتاب الله -جل وعلا-، ويوجه الطلاب إلى إخلاص النية لله لحفظ القرآن، والجوائز تأتي تبعا، ولا تكون هي المقصود من الحفظ. اهـ.

هذا؛ وننبه إلى أن المسلمة ينبغي لها أن تحمل نفسها على القناعة والعفة عما في أيدي الناس، وأن لا يكون في قلبها إشراف لهداياهم؛ فقد قال عمر -رضي الله عنه-: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعطيني العطاء، فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني. فقال: خذه؛ إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل، فخذه، وما لا، فلا تتبعه نفسك. متفق عليه.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة