محل عدم المؤاخذة بكره الأم القلبي

0 930

السؤال

لقد ترددت كثيرا في نشر هذا الموضوع، ولكن الحمد لله الذي ثبتني، أنا من صغري وأنا أحب أمي، ودائما ما كانت تلاعبني، ولكنها كانت تظلمني كثيرا، وتضربني لأنني سببت إخواني لأنهم ضربوني!! وعندما كبرت كانت تسبني لا مزاحا ولكن تسبني بجدية، وتأمرني بقطع أرحامي وسب أعمامي وأن أعق أبي!! وكانت تحرضني على أبي للخلافات الكبيرة التي بينهما والتي وصلت إلى المحاكم.
كانت أمي تغضب من أبي كثيرا، وتهجر الفراش أكثر، وكانت تترك المنزل، وقد ائتمنها أبي في أشياء مادية غالية السعر، وعند ما طلبها منها رفضت!! وكان أبي يأمرها بالعفة واللبس الشرعي، ولكنها كانت تتبرج ولا يهمها، إني أكتب هذا الكلام وقلبي يتقطع!!
فتزوج أبي عليها لأنه رجل وهي كانت لا تعطيه حقوقه الشرعية، وكانت تخاصمه بالسنين والشهور، فعند ما تزوج أبي كانت تحاول قدر المستطاع أن تبعدني عن أبي لتكسره، حتى لو كان هذا على حسابي يوم القيامة (العقوق)، ونجحت في ذلك مع إخوتي الكبار لدرجة أنهم يدعون عليه، ويسبونه من ورائه أمامي، وكأنهم لم يقولوا شيئا، بل كانت تضحك عند ما يستهزءون بأبي وأعمامي، لكي تشجعهم، وأنا طبعا أتضايق، وعند ما كبرت رفعت قضية نفقة الزوجة والابن (أنا) مع أن أبي كان لا يزال يصرف عليها وعلي لكي أكبر في بيئة سليمة خالية من المشاكل قدر المستطاع، وكانت كثيرا ما تقول لي أنها سوف تهجر المنزل وكأنها تشمت بي!! ألست ابنها الصغير؟! لا حول ولا قوة إلا بالله، وأنا ابنها وهي أمي، وكنت أنصحها بالعفة واللباس الشرعي لسبب قراءتي عن عذاب المتبرجات، وكانت تنظر إلي كأني أسبها، مع أني أفعل ذلك لمصلحتها، لا أمرها بل أنصحها قائلا من المعنى حسب ما أتذكر -مثلا-: "أمي، حرام أن تضعي عطرا. أمي، حرام أن تلبسي اللباس القصير". ولكن كانت تغضب لدرجة أني تركتها لحالها، وللعلم إن أمي من حفظة كتاب الله، ولكنها على الأرجح تقرأ ولا تعمل، وجاء اليوم الذي تركتني أمي أنا وإخوتي وذهبت إلى شقتها، وقبل ذهابها سلمت على إخوتي ولم تهتم بي لأنها تعرف أني لن أرضى بأن تذهب، وذهبت دون أن تقرأ السلام علي، أي أم هي؟! وذهبت وتركتني وحدي وإخوتي، وأنا كنت أبرها جدا، وللعلم إخوتي متكبرون ومتسلطون، فأنا لم أعد أحبهم، ويقاطعونني أشهرا هم أيضا، ورثوا ذلك عنها.
ومنذ هذه اللحظة علمت أن الأمومة انتزعت من قلبها! لأنها لو كانت تحب أن تسمع صوتي حتى أو تنظر إلي لظلت في البيت معززة مكرمة لأن أبي مع كل هذا لم يضربها أو يشد عليها خوفا أن ترفع قضية حضانة وتأخذني منه، فيتحمل قدر المستطاع هذه السنة لكي تنتهى حضانتي، ثم يفعل ما يريد.
آسف لأني أطلت عليكم، ولكن كان هذا الجزء مكتوما في قلبي، وهناك الكثير غير ذلك.
المهم: إن أمي الآن بعيدة عني (أي: هي في مدينة وأنا في مدينة)، فأصبحت أكرهها، ولكن أبرها لله فقط، ونادرا ما أتصل عليها لأنها لا يهمها أن تسمع صوتي، والدليل أنها هجرتني، ونادرا جدا ما أزورها لأنها لا يهمها أن تراني، والدليل ما فعلت أيضا، ومع كل هذا فإنني أخاف عليها من وعيد الله لمن تهجر الفراش وتغضب زوجها وتتبرج، وأريد أن يهديها الله، وأن تتوقف عن ذلك، ولكنها لا تريد حتى أن أقول: "أمي، يفترض أن يكون الحجاب للجسم كله وليس للشعر فقط!" وكل هذا لأنني أرجو الثواب من الله فقط، ولكنه صعب جدا، فهل هناك طريقة أجعلها تتوقف عن فعل كل هذا وتعود إلى ربها ثم زوجها؟
والله إنني عند ما أرى أما تنشر الملابس أتأثر جدا، وأقول في نفسي: "لم فعلت هذا أمي!! أين الأمومة التي يفترض أن تكون في قلبها؟!" وكنت دائما أعلم أن هذا ابتلاء، وأقول في نفسي: "اصبر اصبر، إن الجنة هي مأوى الصابرين، وهذا ابتلاء ليكفر عنك الله ذنوبك التي مثل الرمال!".
فماذا أفعل؟ أرجو الإسراع في الرد لأني كل يوم أفكر في أمي، ونار الوقود تشتعل داخلي، فهل الكره الداخلي لها يعتبر عقوقا؟

الإجابــة

 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلم أن الكره القلبي للأم بسبب تصرفاتها المشينة لا يعتبر عقوقا لها؛ لأن هذه الأمور القلبية لا تحكم للإنسان فيها، قال تعالى: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما {الأحزاب:5}.

ومما يجب هنا الحذر من أن يؤدي هذا الكره لأي نوع من الإساءة مهما صغرت، فإن هذا ما يوقع في العقوق، ولمعرفة ضابط العقوق راجع الفتوى رقم: 299953. ونصح الوالدين إن كان برفق ولين، وبالحكمة والموعظة الحسنة، فليس من العقوق في شيء، كما هو مبين في الفتوى رقم: 305638.

وقد أحسنت بصبرك على أمك، وحرصك على مناصحتها، ونوصيك بكثرة الدعاء لها بالتوبة والهداية إلى السبيل القويم؛ فالدعاء من أعظم أسلحة المؤمن، والرب الكريم أمر بالدعاء ووعد بالإجابة، وهو لا يخلف وعده -سبحانه وتعالى-، وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 119608، والفتوى رقم: 18103.

وابحث عن سبيل للوصول لبعض فضلاء الناس ممن ترجو أن يكون لهم تأثير على أمك؛ ليبذلوا لها النصح، ويرشدوها إلى الصواب؛ عسى أن يوفقوا في إقناعها -نسأل الله تعالى لها الخير والصلاح-.

ونوصيك وإخوتك بالحرص على جعل العلاقة بينكم على أحسن حال؛ فإن بينكم رحما تسألون عنها أمام الله تعالى يوم القيامة، فصلة الرحم واجبة، وقطيعتها محرمة، بل وكبيرة من كبائر الذنوب، وقد أوضحنا ذلك في الفتوى رقم: 26850. وانظر أيضا الفتوى رقم: 50300.

 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة