ما حكم قول: "اللهم إني أستحلفك بك أن تفعل لي كذا"؟

0 12

السؤال

ما حكم قول: "اللهم إني أستحلفك بك أن ترزقني كذا، أو تفعل لي كذا"؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذا اللفظ يحتمل أحد أمرين:

الأول: أن يراد به ظاهر اللفظ؛ وهو طلب الحلف، وهذا لا يجوز منا في حق الله تعالى؛ لأن الاستحلاف والتحليف والإحلاف معناه: طلب الحلف، أي: النطق باليمين. والله عز وجل لا يطلب منه أن يحلف؛ لأنه لا يجب على الله شيء، وإن أقسم -سبحانه وتعالى- بما أقسم به في كتابه، فهذا القسم منه -سبحانه وتعالى- ابتداء، جاء في فتوى للشيخ عبد الرحمن السحيم: ما حكم الدعاء باستحلاف الله به، وبقدرته؟ فقد سمعت أحد الدعاة في إحدى القنوات الفضائية يقول: اللهم إني أستحلفك بك، أو قال: اللهم إني أستحلفك بقدرتك، فهل هذا الدعاء جائز؟

الجواب: هذا لفظ منكر؛ إذ لا يصح استحلاف الله؛ لأن الاستحلاف: هو طلب الحلف، أي: النطق باليمين. ومنه قوله -عليه الصلاة والسلام- لأصحابه: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله. قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله، ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديثا مني، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومن به علينا، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله، ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني: أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة. رواه مسلم. والله عز وجل لا يطلب منه أن يحلف؛ لأنه لا يجب على الله شيء. وإن أقسم سبحانه وتعالى بما أقسم به في كتابه، إلا أن هذا القسم منه -سبحانه وتعالى- ابتداء. والله تعالى أعلم.

وانظري فتوانا: 121440.

 والاحتمال الثاني: أن يراد باللفظ "الإقسام على الله"، والإقسام على الله بذاته، أو بأسمائه وصفاته الحسنى نوعان:

أحدهما: ناشئ عن الثقة بالله، وقوة الإيمان به، وحسن الظن به، وصدق التوكل عليه، فهذا جائز.

والثاني: ناشئ عن إعجاب المرء بنفسه، فهذا غير جائز، قال العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ مبينا حكم الإقسام على الله تعالى: والإقسام على الله نوعان:

أحدهما: أن يكون الحامل عليه قوة ثقة المقسم بالله عز وجل، وقوة إيمانه به، مع اعترافه بضعفه، وعدم إلزامه الله بشيء، فهذا جائز، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم-: رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره. ودليل آخر واقعي، وهو حديث أنس بن النضر حينما كسرت أخته الربيع سنا لجارية من الأنصار، فطالب أهلها بالقصاص، فطلبوا إليهم العفو، فأبوا، فعرضوا الأرش، فأبوا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبوا إلا القصاص، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص، فقال أنس بن النضر: أتكسر ثنية الربيع؟ لا، والذي بعثك بالحق، لا تكسر ثنيتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أنس، كتاب الله القصاص. فرضي القوم، فعفوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره، وهو -رضي الله عنه- لم يقسم اعتراضا على الحكم، وإباء لتنفيذه، فجعل الله الرحمة في قلوب أولياء المرأة التي كسرت سنها، فعفوا عفوا مطلقا، عند ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره. فهذا النوع من الإقسام لا بأس به.

النوع الثاني: من الإقسام على الله: ما كان الحامل عليه الغرور، والإعجاب بالنفس، وأنه يستحق على الله كذا، وكذا. فهذا ـ والعياذ بالله ـ محرم، وقد يكون محبطا للعمل، ودليل ذلك أن رجلا كان عابدا، وكان يمر بشخص عاص لله، وكلما مر به نهاه، فلم ينته، فقال ذات يوم: والله، لا يغفر الله لفلان ـ نسأل الله العافية ـ فهذا تحجر رحمة الله؛ لأنه مغرور بنفسه، فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان؟ قد غفرت له وأحبطت عملك. قال أبو هريرة: تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته. انتهى.

ولمزيد الفائدة، انظري الفتويين التاليتين: 55561، 35270.  

وعلى كل؛ فينبغي اجتناب الألفاظ التي تحتمل معنى فاسدا، ولو احتملت معه وجها صحيحا. وانظر الفتوى: 62258.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات