السؤال
منذ فترة، بدأنا -أنا وزوجي- نتصدق بمبلغ ثابت كل شهر، ونزيد عليه حسب الظروف. ثم ترك زوجي عمله ليفتتح مشروعا خاصا به، ومنذ ذلك الحين خسرنا ما يقارب 95% من أصول ما جمعناه، ومع ذلك يصر على عدم التراجع عن المشروع.
لدي أبناء في مراحل التعليم، ونحن حاليا نقيم في شقة مستأجرة، ومع أن دخل المشروع لا يغطي أيا من المصاريف، بل نضطر إلى السحب من المدخرات المتبقية، إلا أن زوجي يريد مضاعفة مبلغ الصدقة بشكل كبير.
وقد رفضت ذلك، وقلت له: نكتفي بزيادة بسيطة على المبلغ الثابت، لكنه يشعرني بتأنيب الضمير، ويتهمني بأنني مخطئة. مع العلم أن المشروع مفتوح منذ ثلاث سنوات، ولم يبق من مدخراتنا إلا القليل. فما هو الرأي الشرعي في هذه الحالة؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فشكر الله لكم هذا الصنيع الطيب، ونسأل الله أن يتقبل منكم، وأن يبارك لكم في أموالكم وأولادكم.
وأما بخصوص ما سألت عنه فنقول: إن الصدقة من أعظم القربات، وأجل الطاعات، وقد وعد الله المتصدقين بالخلف والبركة في مواضع كثيرة من كتابه، فقال تعالى: مثل ٱلذين ينفقون أمولهم في سبيل ٱلله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة ما۟ئة حبةۢ وٱلله يضعف لمن يشآء وٱلله وسع عليم [البقرة 261]. وقال سبحانه: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين [سبأ: 39].
وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال ...
ومع هذا الفضل العظيم، فإن الشريعة راعت حال المتصدق وحاجته، فجعلت أفضل الصدقة ما بقي صاحبها بعدها مستغنيا، وأمرته أن يبدأ بمن يعول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أفضل الصدقة، أو خير الصدقة عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول. رواه مسلم.
قال الإمام النووي: معناه: أفضل الصدقة ما بقي صاحبها بعدها مستغنيا بما بقي معه، وتقديره: أفضل الصدقة ما أبقت بعدها غنى يعتمده صاحبها، ويستظهر به على مصالحه وحوائجه. اهـ.
وعليه؛ فإذا كان المشروع لا يغطي مصاريفكم، وكنتم محتاجين لاستخدام مدخراتكم لتغطية نفقاتكم اليومية وتعليم أبنائكم، فالأولى الاقتصار على المبلغ المعتاد، أو الزيادة اليسيرة بما يزيد عن حاجاتكم الأساسية، ويمكنكم المضاعفة إذا تحسنت أحوالكم المادية.
أما إن كان في زيادة الصدقة سعة، ولا يترتب عليها ضرر، أو حاجة لكم، أو لأبنائكم، فلا حرج في ذلك، بل هو خير وبركة، والصدقة سبيل لزيادة المال ونمائه، كما قدمنا. وانظري الفتوى: 306238.
ولا ينبغي الشعور بتأنيب الضمير أو الخطأ ما دمت حريصة على موافقة الشرع في التوفيق بين الصدقة المستحبة، وعدم الإخلال بالحقوق الواجبة. ولمزيد الفائدة راجعي الفتويين: 178113، 134794.
والله أعلم.