الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأحوال التي تستحب فيها الصدقة والأحوال التي تمنع فيها

السؤال

هل يوجد هناك إسراف في الصدقة؟ فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تحصي فيحصي الله عليك ـ فأنا أحب أن أتصدق وبجانب الصدقة أحب أن أعطي العامل فوق ما يستحقه فإذا طلب 200 ريال مثلا أعطيه ثلاثمائة وهكذا وهذا طمعا في أن يعطيني الله فوق ما أتصور يوم القيامة وكذلك في الدنيا، فهل أنا على صواب؟ لأنني لم أستطع أن أجمع بين الحديث: لا تحصي فيحصي الله عليك ـ وفي نفس الوقت الآية: وآتوا حقه يوم حصاده ولاتسرفوا إنه لا يحب المسرفين؟ أفتوني جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأنت على خير عظيم بحبك للصدقة وتوفيتك العامل أكثر مما يستحق، وواظب على هذا الخير فإنه من أعظم أبواب التقرب إلى الله تعالى، واعلم أنه مهما أكثر العبد من التصدق فإن ثواب الله تعالى أعظم وأجره أكبر، قال تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ {سبأ:39}.

وقال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً {البقرة:245}.

والآيات والأحاديث في فضل الصدقة والحث عليها كثيرة جدا، ولكن تكون الصدقة منهيا عنها فيما إذا أضر الإنسان بنفسه أو بمن تلزمه نفقته، وهذا هو الإسراف المنهي عنه في قوله: ولا تسرفوا ـ على أحد الأوجه في الآية، قال القاسمي ـ رحمه الله ـ في تفسير قوله: وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا ـ وقوله تعالى: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ـ النهي عن الإسراف إما في التصدق، أي: لا تعطوا فوق المعروف، قال أبو العالية: كانوا يعطون يوم الحصاد شيئا ثم تبادروا فيه وأسرفوا، فنزلت وَلا تُسْرِفُواـ وقال ابن جريج: نزلت في ثابت ابن قيس بن شماس، جدّ نخلا له فقال: لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته، فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة، فنزلت، ولذا قال السدّي: أي: لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء، وإما في الأكل قبل الحصاد، وهذا عن أبي مسلم قال: ولا تسرفوا في الأكل قبل الحصاد كيلا يؤدي إلى بخس حق الفقراء، وإما في كل شيء، قال عطاء: نهوا عن السرف في كل شيء، وقال إياس بن معاوية: ما جاوزت به أمر الله، فهو سرف، اختار ابن جرير قول عطاء، قال ابن كثير: ولا شك أنه صحيح، لكن الظاهر ـ والله أعلم ـ من سياق الآية، حيث قال تعالى كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ أن يكون عائدا على الأكل أي: لا تسرفوا في الأكل، لما فيه من مضرة العقل والبدن، كقوله تعالى كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا ... وفي صحيح البخاري تعليقا: كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير إسراف ولا مخيلة، وهذا من هذا. انتهى.

وتكون الصدقة مكروهة فيما إذا نقصت الشخص عن الكفاية التامة وكان لا صبر له على ذلك، وأما ما عدا هذا فالصدقة مستحبة وهي من فضائل الأعمال، قال في منار السبيل: ومن تصدق بما ينقص مؤنة تلزمه، أوأضر بنفسه، أوغريمه أثم بذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، متفق عليه، وحديث: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت، رواه مسلم، وعن أبي هريرة: قال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بصدقة، فقام رجل فقال: يارسول الله، عندي دينار، قال: تصدق به على نفسك، قال: عندى آخر، قال تصدق به على ولدك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به عًلى زوجتك، قال: عندي آخر، قال: تًصدق به عًلى خادمك، قال: عندي آخر، قال: أنت أبصر، رواه أبو داود، وقال صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار.... وكره لمن لا صبر له، أو لا عادة له على الضيق أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة، نص عليه، لأنه نوع إضرار به، وروى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لا يأتي أحدكم بما يملك فيقول: هذه صدقة ثم يقعد يستكف الناس، خير الصدقة ما كان عن ظهر غنىً، وقال صلى الله عليه وسلم، لسعد: إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس، متفق عليه. انتهى.

ولعل بهذا قد زال عنك الإشكال وتبين لك الموضع الذي تستحب فيه الصدقة والذي تكون الصدقة فيه إسرافا مذموما إما محرما وإما مكروها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني