شبهات وجوابها حول سياق قصة لوط في القرآن الكريم

0 391

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
( ولما جاءت رسلنا لوطا سئ بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب * وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد * قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد * قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد * قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ... ) هود 77-81 آمنت بالله صدق الله العظيم
( فلما جاء آل لوط المرسلون * قال إنكم قوم منكرون * قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون * وأتيناك بالحق وإنا لصادقون * فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون * وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين * وجاء أهل المدينة يستبشرون * قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون * واتقوا الله ولا تخزون * قالوا أولم ننهك عن العالمين * قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين * ) الحجر 61-71 آمنت بالله صدق الله العظيم
* إن في تسلسل أحداث رواية آيات سورة هود (الرواية الأولى) علم سيدنا لوط عليه السلام بأن الضيوف هم ملائكة ورسل الله تعالى ، علم ذلك بعد أن بدأ تحرش القوم بهم .
وفي تسلسل أحداث آيات سورة الحجر (الرواية الثانية) علم بأن الضيوف ملائكة قبل أن يأتي القوم إليهم .
الأسئلة :
(1) هــل يوجـد تعارض بين تسلسل الأحـداث برواية الآية الكريمة الأولى و رواية الآية الكريمة الثانية ؟
(2) في تسلسل أحــداث الرواية الثانية ، لماذا تصدى سيدنا لوط عليه السلام للقوم ومن ثم عرض بناته عليهم وقد علم بحقيقة ضيفه وأنهم ملائكة كرام ؟
(3) لماذا قالت الملائكة الكرام ( ... لن يصلوا إليك ) والقوم لم يكن مرادهم الوصول لسيدنا لوط عليه السلام بل كان مرادهم الوصول إليهم هم فكان أحرى أن يقولوا ( ... لن يصلوا إلينا ) ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن آية هود لا يفهم منها أنهم تحرشوا بضيوف لوط قبل علم لوط أنهم ملائكة.

 وإنما المراد بقوله: ومن قبل كانوا يعملون السيئات: ما كانوا عملوه قبل إتيان الملائك بيت لوط أو قبل إرسال لوط إلى القوم.

 قال الشوكاني في تفسيره: ومن قبل كانوا يعملون السيئات، أي ومن قبل مجيء الرسل في هذا الوقت كانوا يعملون السيئات، وقيل: ومن قبل لوط كانوا يعملون السيئات، أي كانت عادتهم إتيان الرجال. اهـ

 وقد تصدى لقومه قبل علمه بأن الضيوف ملائكة.

وأما قوله تعالى: لن يصلوا إليك، فهو يحتمل معنيين :

الأول: لن يصلوا إلى إضرارك بإضرارنا الذي تخافه علينا .

الثاني: لن يصلوا إليك بالسوء الذي توعدوك به لما طمست عيونهم.

قال ابن الجوزي في زاد المسير: قوله تعالى لن يصلوا إليك، قال مقاتل: فيه إضمار تقديره لن يصلوا إليك بسوء وذلك أنهم قالوا للوط إنا نرى معك رجالا سحروا أبصارنا فستعلم غدا ما تلقى أنت وأهلك، فقال له جبريل إنا رسل ربك لن يصلوا إليك. اهـ

وقال البيضاوي في تفسيره: قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك: لن يصلوا إلى إضرارك بإضرارنا، فهون عليك ودعنا وإياهم، فخلاهم أن يدخلوا فضرب جبريل عليه السلام بجناحه وجوههم فطمس أعينهم وأعماهم، فخرجوا يقولون النجاء النجاء فإن في بيت لوط سحرة. اهـ

وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب (هود:81).

 هذا كلام الملائكة للوط عليه السلام كاشفوه بأنهم ملائكة مرسلون من الله تعالى...... وهذا الكلام الذي كلموا به لوطا عليه السلام وحي أوحاه الله إلى لوط عليه السلام بواسطة الملائكة، فإنه لما بلغ بلوط توقع أذى ضيفه مبلغ الجزع ونفاد الحيلة جاءه نصر الله على سنة الله تعالى مع رسله حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا.

 وابتدأ الملائكة خطابهم لوطا عليه السلام بالتعريف بأنفسهم لتعجيل الطمأنينة إلى نفسه لأنه إذا علم أنهم ملائكة علم أنهم ما نزلوا إلا لإظهار الحق. قال تعالى: ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين.  ثم ألحقوا هذا التعريف بالبشارة بقولهم لن يصلوا إليك. وجيء بحرف تأكيد النفي للدلالة على أنهم خاطبوه بما يزيل الشك من نفسه. وقد صرف الله الكفار عن لوط عليه السلام فرجعوا من حيث أتوا، ولو أزال عن الملائكة التشكل بالأجساد البشرية فأخفاهم عن عيون الكفار لحسبوا أن لوطا عليه السلام أخفاهم فكانوا يؤذون لوطا عليه السلام. ولذلك قال له الملائكة لن يصلوا إليك ولم يقولوا لن ينالوا، لأن ذلك معلوم فإنهم لما أعلموا لوطا عليه السلام بأنهم ملائكة ما كان يشك في أن الكفار لا ينالونهم، ولكنه يخشى سورتهم أن يتهموه بأنه أخفاهم.

 ووقع في التوراة أن الله أعمى أبصار المراودين لوطا عليه السلام عن ضيفه حتى قالوا: إن ضيف لوط سحرة فانصرفوا. وذلك ظاهر قوله تعالى في سورة القمر: ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم. اهـ

وللفائدة راجع الفتوى رقم: 72380.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة