( 
يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون   ) 
قوله تعالى :( 
ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون   ) في الآية مسائل : 
المسألة الأولى : قال 
أبو عبيد  والزجاج    ( استجيبوا   ) معناه أجيبوا وأنشد قول الشاعر : 
فلم يستجبه عند ذاك مجيب 
المسألة الثانية : أكثر الفقهاء على أن 
ظاهر الأمر للوجوب ، وتمسكوا بهذه الآية على صحة قولهم من وجهين : 
الوجه الأول : أن كل من أمره الله بفعل فقد دعاه إلى ذلك الفعل ، وهذه الآية تدل على أنه لا بد من الإجابة في كل ما دعاه الله إليه . 
فإن قيل : قوله :( استجيبوا لله   ) أمر . فلم قلتم : إنه يدل على الوجوب ؟ وهل النزاع إلا فيه ، فيرجع حاصل هذا الكلام إلى إثبات أن الأمر للوجوب بناء على أن هذا الأمر يفيد الوجوب ، وهو يقتضي إثبات الشيء بنفسه وهو محال . 
والجواب : أن من المعلوم بالضرورة أن كل ما أمر الله به فهو مرغب فيه مندوب إليه ، فلو حملنا قوله :( 
استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم   ) على هذا المعنى كان هذا جاريا مجرى إيضاح الواضحات وأنه عبث ،   
[ ص: 118 ] فوجب حمله على فائدة زائدة ، وهي الوجوب صونا لهذا النص عن التعطيل ، ويتأكد هذا بأن قوله تعالى بعد ذلك( 
واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون   ) جار مجرى التهديد والوعيد ، وذلك لا يليق إلا بالإيجاب . 
الوجه الثاني : في الاستدلال بهذه الآية على ثبوت هذا المطلوب ، ما روى 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة  رضي الله عنه أن 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012737النبي صلى الله عليه وسلم مر على باب  nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب  فناداه وهو في الصلاة فعجل في صلاته ثم جاء فقال : "ما منعك عن إجابتي" قال : كنت أصلي ، قال : "ألم تخبر فيما أوحي إلي استجيبوا لله وللرسول" فقال : لا جرم لا تدعوني إلا أجيبك ، والاستدلال به أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعاه فلم يجبه لامه على ترك الإجابة ، وتمسك في تقرير ذلك اللوم بهذه الآية فلولا دلالة هذه الآية على الوجوب ، وإلا لما صح ذلك الاستدلال ، وقول من يقول مسألة أن الأمر يفيد الوجوب مسألة قطعية ، فلا يجوز التمسك فيها بخبر الواحد ضعيف ، لأنا لا نسلم أن مسألة الأمر يفيد الوجوب مسألة قطعية ، بل هي عندنا مسألة ظنية ، لأن المقصود منها العمل ، والدلائل الظنية كافية في المطالب العملية . 
فإن قالوا : إنه تعالى ما أمر بالإجابة على الإطلاق بل بشرط خاص ، وهو قوله :( 
إذا دعاكم لما يحييكم   ) فلم قلتم إن هذا الشرط حاصل في جميع الأوامر ؟ . 
قلنا : قصة 
 nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب  تدل على أن هذا الحكم عام وغير مخصوص بشرط معين ، وأيضا فلا يمكن حمل الحياة ههنا على نفس الحياة؛ لأن إحياء الحي محال فوجب حمله على شيء آخر وهو الفوز بالثواب ، وكل ما دعا الله إليه ورغب فيه فهو مشتمل على ثواب ، فكان هذا الحكم عاما في جميع الأوامر وذلك يفيد المطلوب . 
المسألة الثالثة : ذكروا في قوله :( 
إذا دعاكم لما يحييكم   ) وجوها : 
الأول : قال 
السدي    : هو الإيمان والإسلام وفيه الحياة لأن 
الإيمان حياة القلب والكفر موته ، يدل عليه قوله تعالى :( 
يخرج الحي من الميت   ) [يونس : 31] قيل المؤمن من الكافر . 
الثاني : قال 
قتادة    : يعني القرآن أي أجيبوه إلى ما في 
القرآن ففيه الحياة والنجاة والعصمة ، وإنما سمي القرآن بالحياة لأن القرآن سبب العلم ، والعلم حياة ، فجاز أن يسمى سبب الحياة بالحياة . 
الثالث : قال الأكثرون :( 
لما يحييكم   ) هو الجهاد ، ثم في 
سبب تسمية الجهاد بالحياة وجوه : 
أحدها : هو أن وهن أحد العدوين حياة للعدو الثاني ، فأمر المسلمين إنما يقوى ويعظم بسبب الجهاد مع الكفار . 
وثانيها : أن 
الجهاد سبب لحصول الشهادة وهي توجب الحياة الدائمة قال تعالى :( 
ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون   ) [آل عمران : 169] . 
وثالثها : أن الجهاد قد يفضي إلى القتل ، والقتل يوصل إلى الدار الآخرة ، والدار الآخرة معدن الحياة ، قال تعالى :( 
وإن الدار الآخرة لهي الحيوان   ) [العنكبوت : 64] أي الحياة الدائمة . 
والقول الرابع :( 
لما يحييكم   ) أي لكل حق وصواب ، وعلى هذا التقدير فيدخل فيه القرآن والإيمان والجهاد وكل أعمال البر والطاعة . والمراد من قوله :( 
لما يحييكم   ) الحياة الطيبة الدائمة ، قال تعالى :( 
فلنحيينه حياة طيبة   ) [النحل : 97] .