صفحة جزء
أما قوله تعالى : ( ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ) ففيه مسائل :

المسألة الأولى : المعنى : دع الكفار يأخذوا حظوظهم من دنياهم فتلك أخلاقهم ولا خلاق لهم في الآخرة ، وقوله : ( ويلههم الأمل ) يقال : لهيت عن الشيء ألهى لهيا ، وجاء في الحديث أن ابن الزبير كان إذا سمع صوت الرعد لهي عن حديثه . قال الكسائي والأصمعي : كل شيء تركته فقد لهيت عنه وأنشد :


صرمت حبالك فاله عنها زينب ولقد أطلت عتابها لو تعتب



فقوله " فاله عنها " أي اتركها وأعرض عنها . قال المفسرون : شغلهم الأمل عند الأخذ بحظهم عن الإيمان والطاعة فسوف يعلمون .

المسألة الثانية : احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى قد يصد عن الإيمان ويفعل بالمكلف ما يكون له مفسدة في الدين ، والدليل عليه أنه تعالى قال لرسوله : ( ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل ) فحكم بأن إقبالهم على التمتع واستغراقهم في طول الأمل يلهيهم عن الإيمان والطاعة ، ثم إنه تعالى أذن لهم فيها ، وذلك يدل على المقصود . قالت المعتزلة : ليس هذا إذنا وتجويزا بل هذا تهديد ووعيد .

قلنا : ظاهر قوله : ( ذرهم ) إذن أقصى ما في الباب أنه تعالى نبه على أن إقبالهم على هذه الأعمال يضرهم في دينهم ، وهذا عين ما ذكرناه من أنه تعالى أذن في شيء مع أنه نص على كون ذلك الشيء مفسدة لهم في الدين .

المسألة الثالثة : دلت الآية على أن إيثار التلذذ والتنعم وما يؤدي إليه طول الأمل ليس من أخلاق المؤمنين ، وعن بعضهم : التمرغ في الدنيا من أخلاق الهالكين ، والأخبار في ذم الأمل كثيرة فمنها ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يهرم ابن آدم ويشب فيه اثنان : الحرص على المال وطول الأمل " وعنه صلى الله عليه وسلم أنه نقط ثلاث نقط وقال : " هذا ابن آدم ، وهذا الأمل ، وهذا الأجل ، ودون الأمل تسع وتسعون منية فإن أخذته إحداهن ، وإلا فالهرم من ورائه " ، وعن علي عليه السلام أنه قال : إنما أخشى عليكم اثنين : طول الأمل واتباع الهوى ، فإن طول الأمل ينسي الآخرة ، واتباع الهوى يصد عن الحق . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية