ثم قال : ( 
واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم   ) واعلم أنه تعالى لما وعد بالمغفرة أمر بعد هذا الوعد بأشياء ; فالأول : أمر بالإنابة وهو قوله تعالى : ( 
وأنيبوا إلى ربكم   ) . والثاني : أمر بمتابعة الأحسن . 
وفي المراد بهذا الأحسن وجوه : 
الأول : أنه القرآن ومعناه واتبعوا القرآن ، والدليل عليه قوله تعالى : ( 
الله نزل أحسن الحديث كتابا   ) [الزمر : 23] . 
الثاني : قال 
الحسن    : معناه والتزموا طاعة الله واجتنبوا معصية الله ، فإن الذي أنزل على ثلاثة أوجه : ذكر القبيح ليجتنب عنه ، والأدون لئلا يرغب فيه ، والأحسن ليتقوى به ويتبع . 
الثالث : المراد بالأحسن الناسخ دون المنسوخ ; لأن الناسخ أحسن من المنسوخ ; لقوله تعالى : ( 
ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها   ) [البقرة : 106] ولأن الله تعالى لما نسخ حكما وأثبت حكما آخر كان اعتمادنا على المنسوخ . 
ثم قال : ( 
من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون   ) والمراد منه التهديد والتخويف ، والمعنى أنه يفجأ العذاب وأنتم غافلون عنه ، واعلم أنه تعالى لما خوفهم بالعذاب بين تعالى أن بتقدير نزول العذاب عليهم ماذا يقولون ، فحكى الله تعالى عنهم ثلاثة أنواع من الكلمات ، فالأول : قوله تعالى : ( 
أن تقول نفس ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين   ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : قوله ( 
أن تقول   ) مفعول له أي كراهة أن تقول : ( 
أن تقول نفس ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله   ) وأما تنكير لفظ النفس ففيه وجهان ; الأول : يجوز أن تراد نفس ممتازة عن سائر النفوس لأجل اختصاصها بمزيد إضرار بما لا ينفي رغبتها في المعاصي . والثاني : يجوز أن يراد به الكثرة ، وذلك لأنه ثبت في علم أصول الفقه أن الحكم المذكور عقيب وصف يناسبه يفيد الظن بأن ذلك الحكم معلل بذلك الوصف ، فقوله : ( 
ياحسرتا   ) يدل على غاية الأسف ونهاية الحزن ، وأنه مذكور عقيب قوله تعالى : ( 
على ما فرطت في جنب الله   ) 
والتفريط في طاعة الله تعالى يناسب شدة الحسرة ، وهذا يقتضي حصول تلك الحسرة عند حصول هذا التفريط ، وذلك يفيد العموم بهذا الطريق . 
المسألة الثانية : القائلون بإثبات الأعضاء لله تعالى استدلوا على إثبات الجنب بهذه الآية ، واعلم أن دلائلنا على 
نفي الأعضاء قد كثرت ، فلا فائدة في الإعادة ، ونقول : بتقدير أن يكون المراد من هذا الجنب عضوا مخصوصا لله تعالى ، فإنه يمتنع وقوع التفريط فيه ، فثبت أنه لا بد من المصير إلى التأويل ، وللمفسرين فيه عبارات ، قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : يريد ضيعت من ثواب الله . وقال 
مقاتل    : ضيعت من ذكر الله . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد    : في أمر الله . وقال 
الحسن    : في طاعة الله . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير    : في حق الله . واعلم أن الإكثار من هذه العبارات لا يفيد شرح الصدور وشفاء الغليل ، فنقول : الجنب سمي جنبا ; لأنه جانب من جوانب ذلك الشيء ، والشيء الذي يكون من لوازم الشيء وتوابعه يكون كأنه جند من جنوده وجانب من جوانبه ، فلما حصلت هذه المشابهة بين الجنب الذي هو العضو وبين ما يكون لازما للشيء وتابعا له ، لا جرم حسن إطلاق لفظ الجنب على الحق والأمر والطاعة ، قال الشاعر :   
[ ص: 7 ] أما تتقين الله جنب وامق له كبد حرى عليك تقطع