صفحة جزء
( 2813 ) فصل : في معرفة المكيل والموزون ، والمرجع في ذلك إلى العرف بالحجاز في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبهذا قال الشافعي . وحكي عن أبي حنيفة : أن الاعتبار في كل بلد بعادته .

ولنا ، ما روى عبد الله بن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { المكيال مكيال المدينة ، والميزان ميزان مكة } . والنبي صلى الله عليه وسلم إنما يحمل كلامه على بيان الأحكام ; لأن ما كان مكيلا بالحجاز في زمن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف التحريم في تفاضل الكيل إليه ، فلا يجوز أن يتغير بعد ذلك ، وهكذا الموزون ، وما لا عرف له بالحجاز يحتمل وجهين ; أحدهما ، يرد إلى أقرب الأشياء شبها به بالحجاز ، كما أن الحوادث ترد إلى أشبه المنصوص عليه بها ، وهو القياس .

والثاني ، يعتبر عرفه في موضعه ، فإن لم يكن له في الشرع حد كان المرجع فيه إلى العرف ، كالقبض ، والإحراز ، والتفرق ، وهذا قول أبي حنيفة . وعلى هذا إن اختلفت البلاد ، فالاعتبار بالغالب ، فإن لم يكن غالب بطل هذا الوجه ، وتعين الأول . ومذهب [ ص: 35 ] الشافعي على هذين الوجهين ، فالبر ، والشعير مكيلان منصوص عليهما بقول النبي صلى الله عليه وسلم : { البر بالبر كيلا بكيل ، والشعير بالشعير كيلا بكيل . }

وكذلك سائر الحبوب ، والأبازير ، والأشنان ، والجص ، والنورة ، وما أشبهها . والتمر مكيل ، وهو من المنصوص عليه ، وكذلك سائر تمر النخل من الرطب والبسر وغيرهما ، وسائر ما تجب فيه الزكاة من الثمار ، مثل الزبيب ، والفستق ، والبندق ، والعناب ، والمشمش ، والبطم ، والزيتون ، واللوز . والملح مكيل ، وهو من المنصوص عليه بقوله عليه السلام : { الملح بالملح مدي بمدي } . والذهب والفضة موزونان .

ثبت ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم : { الذهب بالذهب وزنا بوزن ، والفضة بالفضة وزنا بوزن } وكذلك ما أشبههما من جواهر الأرض كالحديد ، والنحاس ، والصفر ، والرصاص ، والزجاج ، والزئبق . ومنه الإبريسم ، والقطن ، والكتان ، والصوف ، وغزل ذلك ، وما أشبهه . ومنه الخبز ، واللحم ، والشحم ، والجبن ، والزبد ، والشمع ، وما أشبهه ، وكذلك الزعفران ، والعصفر ، والورس ، وما أشبه ذلك .

( 2814 ) فصل : والدقيق والسويق مكيلان ; لأن أصلهما مكيل ، ولم يوجد ما ينقلهما عنه ، ولأنهما يشبهان ما يكال ، وذكر القاضي في الدقيق ، أنه يجوز بيع بعضه ببعض بالوزن ، ولا يمتنع أن يكون أصله مكيلا وهو موزون ، كالخبز .

ولنا ، ما ذكرناه ، ولأنه يقدر بالصاع ، بدليل أنه يخرج في الفطرة صاع من دقيق ، وقد جاء في الحديث . والصاع إنما يقدر به المكيلات ، وعلى هذا يكون الأقط مكيلا ; لأن في حديث صدقة الفطر : { صاع من أقط } . ( 2815 ) فصل : فأما اللبن ، وغيره من المائعات ، كالأدهان من الزيت ، والشيرج ، والعسل ، والخل ، والدبس ، ونحو ذلك ، فالظاهر أنها مكيلة . قال القاضي في الأدهان : هي مكيلة .

وفي اللبن : يصح السلم فيه كيلا . وقال أصحاب الشافعي : لا يباع اللبن بعضه ببعض إلا كيلا . وقد روي عن أحمد ، أنه سئل عن السلف في اللبن ؟ فقال : نعم كيلا ، أو وزنا . وذلك لأن الماء مقدر بالصاع ، ولذلك { كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ، ويغتسل بالصاع ، ويغتسل هو وبعض نسائه من الفرق } . وهذه مكاييل قدر بها الماء ، وكذلك سائر المائعات .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه { نهى عن بيع ما في ضروع الأنعام إلا بالكيل . } رواه ابن ماجه . وأما غير المكيل ، والموزون ، فما لم يكن له أصل بالحجاز في كيل ولا وزن ، ولا يشبه ما جرى فيه العرف بذلك ، كالثياب ، والحيوان ، والمعدودات من الجوز ، والبيض ، والرمان ، والقثاء ، والخيار ، وسائر الخضراوات ، والبقول ، والسفرجل ، والتفاح ، والكمثرى ، والخوخ ، ونحوها ، فهذه المعدودات إذا اعتبرنا التماثل فيها ، فإنه يعتبر التماثل في الوزن ; لأنه أخصر . ذكره القاضي في الفواكه الرطبة ، وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي ، والآخر ، قالوا : يعتبر ما أمكن كيله بالكيل ; لأن الأصل الأعيان الأربعة ، وهي مكيلة ، ومن شأن الفرع أن يرد إلى أصله . بحكمه ، والأصل حكمه تحريم التفاضل بالكيل ، فكذلك يكون حكم فروعها .

ولنا ، أن الوزن أخصر ، فوجب اعتباره في غير المكيل والموزون ، كالذي لا يمكن كيله ، وإنما اعتبر الكيل في المنصوص عليه ; لأنه يقدر به في العادة ، وهذا بخلافه .

التالي السابق


الخدمات العلمية