صفحة جزء
( 36 ) مسألة قال : ( إلا أن تكون النجاسة بولا أو عذرة مائعة فإنه ينجس ، إلا أن يكون مثل المصانع التي بطريقمكة ، وما أشبهها من المياه الكثيرة التي لا يمكن نزحها ، فذاك الذي لا ينجسه شيء ) يعني بالمصانع : البرك التي صنعت موردا للحاج ، يشربون منها ، يجتمع فيها ماء كثير ويفضل عنهم ، فتلك لا تتنجس بشيء من النجاسات ما لم تتغير ، لا نعلم أحدا خالف في هذا .

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الماء الكثير ، مثل الرجل من البحر ونحوه ، إذا وقعت فيه نجاسة ، فلم تغير له لونا ولا طعما ولا ريحا ، أنه بحاله يتطهر منه ، فأما ما يمكن نزحه إذا بلغ قلتين فلا يتنجس بشيء من النجاسات ، إلا ببول الآدميين ، أو عذرتهم المائعة ; فإن فيه روايتين عن أحمد ، أشهرهما : أنه يتنجس بذلك .

روي نحو هذا عن علي ، والحسن البصري . قال الخلال : وحدثنا عن علي بإسناد صحيح ، أنه سئل عن صبي بال في بئر ، فأمرهم أن ينزفوها ، ومثل ذلك عن الحسن البصري . ووجه ذلك : ما روى أبو هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ، ثم يغتسل منه } متفق عليه . وفي لفظ : " ثم يتوضأ منه " . صحيح . وللبخاري : { ثم يغتسل فيه . }

وهذا متناول للقليل والكثير ، وهو خاص في البول ، وأصح من حديث القلتين فيتعين تقديمه . والرواية الثانية ، أنه لا يتنجس ما لم يتغير ، كسائر النجاسات ، اختارها أبو الخطاب ، وابن عقيل ، وهذا مذهب الشافعي وأكثر أهل العلم لا يفرقون بين البول وغيره من النجاسات ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس } .

ولأن بول الآدمي لا تزيد على نجاسة بول الكلب ، وهو لا ينجس القلتين ، فبول الآدمي أولى ، وحديث أبي هريرة لا بد من تخصيصه ، بدليل ما لا يمكن نزحه ، فيقاس عليه ما بلغ القلتين ، أو يخص بخبر القلتين ، فإن تخصيصه بخبر النبي صلى الله عليه وسلم أولى من تخصيصه بالرأي والتحكم من غير دليل ; ولأنه لو تساوى الحديثان لوجب العدول إلى القياس على سائر النجاسات .

[ ص: 40 ] فصل : ولم أجد عن إمامنا ، رحمه الله ، ولا عن أصحابنا ، تحديد ما يمكن نزحه ، بأكثر من تشبيهه بمصانع مكة . قال أحمد : إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الراكد من آبار المدينة على قلة ما فيها ; لأن المصانع لم تكن ، إنما أحدثت . وقال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن المصانع التي بطريق مكة ؟ فقال : ليس ينجس تلك عندي بول ولا شيء إذا كثر الماء ، حتى يكون مثل تلك المصانع .

وقال إسحاق بن منصور : سئل أحمد عن بئر بال فيها إنسان " قال تنزح حتى تغلبهم . قلت : ما حده ؟ قال : لا يقدرون على نزحها . وقيل لأبي عبد الله : الغدير يبال فيه ؟ قال : الغدير أسهل . ولم ير به بأسا ، وقال في البئر ، يكون لها مادة : هو واقف لا يجري ليس بمنزلة ما يجري .

يعني أنه يتنجس بالبول فيه إذا أمكن نزحه .

( 38 ) فصل : ولا فرق بين البول القليل والكثير قال مهنا : سألت أحمد عن بئر غزيرة وقعت فيها خرقة أصابها بول ؟ قال : تنزح . وقال في قطرة بول وقعت في ماء : لا يتوضأ منه وذلك لأن سائر النجاسات لا فرق بين قليلها وكثيرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية