صفحة جزء
( 6681 ) فصل : وإذا أراد الاستيفاء من موضحة وشبهها ، فإن كان على موضعها شعر حلقه ، ويعمد إلى موضع الشجة من رأس المشجوج ، فيعلم منه طولها بخشبة أو خيط ، ويضعها على رأس الشاج ، ويعلم طرفيه بخط بسواد أو غيره ، ويأخذ حديدة عرضها كعرض الشجة ، فيضعها في أول الشجة ، ويجرها إلى آخرها ، ويأخذ مثل الشجة طولا وعرضا ، ولا يراعي العمق ; لأن حده العظم ، ولو روعي العمق لتعذر الاستيفاء ; لأن الناس يختلفون في قلة اللحم وكثرته ، وهذا كما يستوفي في الطرف مثله وإن اختلفا في الصغر والكبر ، والدقة والغلظ ، ويراعي الطول والعرض ; لأنه ممكن ، فإن كان رأس الشاج والمشجوج سواء ، استوفى قدر الشجة ، وإن كان رأس الشاج أصغر ، لكنه يتسع للشجة ، استوفيت إن استوعب رأس الشاج كله ، وهي بعض رأس المشجوج ; لأنه استوفاها بالمساحة ، ولا يمنع الاستيفاء زيادتها على مثل موضعها من رأس الجاني ; لأن الجميع رأسه . وإن كان قدر الشجة يزيد على رأس الجاني ، فإنه يستوفي الشجة من جميع رأس الشاج ، ولا يجوز أن ينزل إلى جبهته ; لأنه يقتص في عضو آخر غير العضو الذي جنى عليه .

وكذلك لا ينزل إلى قفاه ; لما ذكرناه . ولا يستوفي بقية الشجة في موضع آخر من رأسه ; لأنه يكون مستوفيا لموضحتين ، وواضعا للحديدة في غير الموضع الذي وضعها فيه الجاني . واختلف أصحابنا في ماذا يصنع ؟ فذكر القاضي أن ظاهر كلام أبي بكر ، أنه لا أرش له فيما بقي ; كي لا يجتمع قصاص ودية في جرح واحد . وهذا مذهب أبي حنيفة . فعلى هذا يتخير بين الاستيفاء في جميع رأس الشاج ولا أرش له ، وبين العفو إلى دية موضحة . وقال أبو عبد الله بن حامد ، وبعض أصحابنا : له أرش ما بقي . وهو مذهب الشافعي ; لأنه تعذر القصاص فيما جنى عليه ، فكان له أرشه ، كما لو تعذر في الجميع . فعلى هذا ، تقدر شجة الجاني من الشجة في رأس المجني عليه ، ويستوفي أرش الباقي ، فإن كانت بقدر ثلثها فله ثلث أرش موضحة ، وإن زادت أو نقصت عن هذا فبالحساب من أرش الموضحة .

ولا يجب له أرش موضحة كاملة ; لئلا يفضي إلى إيجاب القصاص ودية موضحة في موضحة واحدة ، فإن أوضحه في جميع رأسه ، ورأس الجاني أكبر ، فللمجني عليه أن يوضح منه بقدر مساحة موضحته من أي الطرفين شاء ; لأنه جنى عليه في ذلك الموضع كله ، وإذا استوفى قدر موضحته ، ثم تجاوزها ، واعترف أنه عمد ذلك ، فعليه القصاص في ذلك القدر ، فإذا اندملت موضحته ، استوفي منه القصاص في موضع الاندمال ; لأنه موضع الجناية ، وإن ادعى الخطأ ، فالقول قوله ; لأنه محتمل ، وهو أعلم بقصده ، وعليه أرش موضحة . فإن قيل : فهذه الموضحة كلها لو كانت عدوانا لم يجب فيها إلا دية موضحة ، فكيف يجب في بعضها دية موضحة ؟ قلنا : لأن المستوفي ، لم يكن جناية ، إنما الجناية الزائد ، والزائد لو انفرد لكان موضحة ، فكذلك إذا كان معه ما ليس بجناية ، بخلاف ما إذا كانت كلها عدوانا ; فإن الجميع جناية واحدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية