مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
( مسألة ) قال ابن عرفة الشيخ عن الموازية : أيغزى بغير إذن الإمام ؟ قال : أما الجيش والجمع فلا إلا بإذن الإمام وتولية وال عليهم ، وسهل مالك لمن قرب من العدو يجد فرصة ويبعد عليه الإمام محمد ، كمن هو منه على يوم ونحوه ، ولابن مزين عن ابن القاسم إن طمع قوم بفرصة في عدو قربهم وخشوا إن أعلموا إمامهم منعهم فواسع خروجهم ، وأحب استئذانهم إياه ، ثم قال ابن حبيب سمعت أهل العلم يقولون : إن نهى الإمام عن القتال لمصلحة حرمت مخالفته إلا أن يدهمهم العدو ا هـ . من أوائل الجهاد منه وفي سماع أشهب ، وسئل مالك عن القوم يخرجون في أرض الروم مع الجيش فيحتاجون إلى العلف لدوابهم ، فتخرج جماعة إلى هذه القرية ، وجماعة إلى قرية أخرى يتعلفون لدوابهم ولا يستأذنون الإمام ، فربما غشيهم العدو فيما هناك إذا رأوا غرتهم وقتالهم فقتلوهم أو أسروهم أو نجوا منهم ، وإن تركنا دوابنا هلكت ؟ فقال : أرى إن استطعتم استئذان الإمام أن تستأذنوه ، ولا أرى أن تغزوا بأنفسكم فتقتلون في غير عدة ولا كثرة ، ولا أرى ذلك . وسئل مالك عن العدو ينزل بساحل من سواحل المسلمين يقاتلونهم بغير استئمار الوالي ؟ فقال : أرى إن كان الوالي قريبا منهم أن يستأذنوه في قتالهم قبل أن يقاتلوهم ، وإن كان بعيدا لم يتركوهم حتى يقعوا بهم ، فقيل له : بل الوالي بعيد منهم . فقال : كيف يصنعون أيدعوهم حتى يقعوا بهم أرى أن يقاتلوهم .

قال ابن رشد وهذا كله كما قال : إنه لا ينبغي لهم أن يغزوا بأنفسهم في تعلفهم وأن الاختيار لهم أن يستأذنوا الإمام في ذلك إن استطاعوا ، ويلزمهم ذلك إن كان الوالي عدلا على ما قاله ابن وهب في سماع زونان ، وهو عبد الملك بن الحسن ، وأن قتال العدو بغير إذن الإمام لا يجوز إلا أن يدهمهم فلا يمكنهم استئذانه انتهى من سماع زونان .

سئل عبد الله بن وهب عن القوم يواقعون العدو هل لأحد أن يبارز بغير إذن الإمام .

فقال : إن كان الإمام عنده لم يجز له أن يبارز إلا بإذنه ، وإن كان غير عدل فليبارز وليقاتل بغير إذنه ، قلت له والمبارزة والقتال عندكم واحد ، قال : نعم . قال ابن رشد وهذا كما قال : إن الإمام إذا كان غير عدل لم يلزمهم استئذانه في مبارزة ولا قتال ، إذ قد ينهاهم عن غرة قد ثبتت له على غير وجه نظر يقصده لكونه غير عدل في أموره فيلزمه طاعته ، فإنما يفترق العدل من غير العدل في الاستئذان له لا في طاعته إذا أمر بشيء أو نهى عنه ; لأن الطاعة للإمام من فرائض الغزو فواجب على الرجل طاعة الإمام فيما أحب أو كره ، وإن كان غير عدل ما لم يأمره بمعصية ، انتهى .

وفي سماع أصبغ وسمعت ابن القاسم ، وسئل عن ناس يكونون في ثغر من وراء عورة المسلمين ، هل يخرجون سراياهم لغرة يطمعون بها من عدوهم من غير إذن الإمام والإمام منهم على أيام ؟ قال : إن كانت تلك الغرة بينة قد ثبتت لهم منهم ولم يخافوا أن يلقوا بأنفسهم فلا أرى بأسا ، وإن كانوا يخافون أن يلقوا ما لا قوة لهم به أن يطلبوا فيدركوا فلا أحب ذلك لهم . قال ابن رشد إنما جاز لهم أن يخرجوا سراياهم لغرة تبينت لهم بغير إذن الإمام لكونه غائبا عنهم على مسيرة أيام ، ولو كان حاضرا معهم لم يجز لهم أن يخرجوها بغير إذنه إذا كان عدلا ، انتهى .

وجميع هذه الأسمعة في كتاب الجهاد ، ونقلها ابن عرفة إثر الكلام المتقدم . قال في التوضيح ابن المواز : ولا يجوز خروج جيش إلا بإذن الإمام . وسئل مالك لمن يجد فرصة من عدو قريب أن ينهضوا إليهم بغير إذن الإمام ، ولم يجز ذلك لسرية تخرج من العسكر عبد الملك ، وترد السرية وتحرمهم ما غنموا سحنون ، إلا أن تكون جماعة لا يخاف عليهم فلا يحرمهم يريد وقد أخطئوا ، انتهى .

ذكره عند قول ابن الحاجب ويجب مع ولاة الجور ، وقال في الشامل في أول الجهاد : ولا يجوز خروج جيش دون إذن الإمام وتوليته [ ص: 350 ] عليهم من يحفظهم ، إلا أن يجدوا فرصة من عدو وخافوا فواته لبعد الإمام ، أو خوف منعه ، وحرم على سرية بغير إذنه ، ويمنعهم الغنيمة أدبا لهم إلا أن يكونوا جماعة لا يخشون عدوا فلا يمنعهم الغنيمة ، انتهى .

وقال الشيخ أحمد زروق في بعض وصاياه لإخوانه التوجه للجهاد بغير إذن جماعة المسلمين وسلطانهم فإنه سلم الفتنة وقلما اشتغل به أحد فأنجح ، انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية