مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

صفحة جزء
وحكمة مشروعيته الرفق بالعباد والتعاون على حصول المعاش ولهذا يمنع من احتكار ما يضر بالناس ، قال في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة ، قال مالك والحكرة في كل شيء من طعام أو إدام أو كتان أو صوف أو عصفر أو غيره فما كان احتكاره يضر بالناس منع محتكره من الحكرة ، وإن لم يضر ذلك بالناس ولا بالأسواق ، فلا بأس به ، قال القرطبي في شرح مسلم : { لا يحتكر إلا خاطئ } هذا الحديث بحكم إطلاقه أو عمومه يدل على الاحتكار في كل شيء غير أن هذا الإطلاق قد يقيد والعموم قد يخصص بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ; فإنه قد ادخر لأهله قوت سنتهم ، ولا خلاف في أن ما يدخره الإنسان لنفسه وعياله من قوت وما يحتاجون إليه جائز ، ولا بأس به ، فإذا مقصود هذا منع التجار من الادخار ، ثم هل يمنعون من ادخار كل شيء ، وذكر ما تقدم وذكر الخلاف ثم قال : وكل هذا فيمن اشترى في الأسواق ، فأما من جلب طعاما ; فإن شاء باع ، وإن شاء احتكر إلا إن نزلت حاجة فادحة أو أمر ضروري بالمسلمين ، فيجب على من كان عنده ذلك أن يبيعه بسعر وقته ; فإن لم يفعل أجبر على [ ص: 228 ] ذلك إحياء للمهج وإبقاء للرمق .

وأما إن كان اشتراه من الأسواق واحتكر وأضر بالناس فيشترك فيه الناس بالسعر الذي اشتراه به ، انتهى . وقال أيضا في قوله في الحديث : { كان ينفق على أهله نفقة سنة } فيه ما يدل على جواز ادخار قوت العيال سنة ، ولا خلاف فيه إذا كان من غلة المدخر ، وأما إذا اشترى من السوق فأجازه قوم ومنعه آخرون إذا أضر بالناس ، وهذا مذهب مالك في الادخار مطلقا ، انتهى . ونقله النووي عن القاضي عياض في الاشتراء من السوق ، وأنه إن كان في وقت ضيق الطعام فلا يجوز ، بل يشتري ما لا يضيق على المسلمين كقوت أيام أو أشهر ، وإن كان في وقت سعة اشترى قوت سنة كذا نقل القاضي هذا التفصيل عن أكثر العلماء ، وعن قوم إباحته مطلقا ، قال النووي والحكمة في تحريم الاحتكار رفع الضرر عن عامة الناس كما أجمع العلماء على أنه لو كان عند إنسان واضطر الناس إليه ولم يجدوا غيره أجبر على بيعه دفعا للضرر عن الناس ، انتهى والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية