صفحة جزء

43 - وفي أم يقولون الخطاب كما علا شفا ورءوف قصر صحبته حلا



قرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي أم تقولون إن إبراهيم بتاء الخطاب فتكون قراءة الباقين بياء الغيبة، وقرأ (صحبة) أي شعبة وحمزة والكسائي وكذا أبو عمرو لفظ رؤوف حيث نزل بالقصر، أي حذف حرف المد بعد الهمزة. وقرأ الباقون بالمد لأنه ضد القصر، والمراد به إثبات حرف المد بعد الهمزة.


44 - وخاطب عما يعملون كما شفا     ولام موليها على الفتح كملا



قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي عما يعملون الذي بعده ولئن أتيت بتاء الخطاب فتعين [ ص: 212 ] لغيرهم القراءة بياء الغيبة، ودلنا على هذا الموضع وقوعه بعد ترجمة رؤوف، وقرأ ابن عامر هو موليها بفتح اللام، وحينئذ تنقلب الياء ألفا. وقرأ غيره بكسر اللام وياء ساكنة مدية بعدها.


45 - وفي تعملون الغيب حل وساكن     بحرفيه يطوع وفي الطاء ثقلا
46 - وفي التاء ياء شاع والريح وحدا     وفي الكهف معها والشريعة وصلا
47 - وفي النمل والأعراف والروم ثانيا     وفاطر دم شكرا وفي الحجر فصلا
48 - وفي سورة الشورى ومن تحت رعده     خصوص وفي الفرقان زاكيه هللا



قرأ أبو عمرو عما تعملون الذي بعده ومن حيث خرجت بياء الغيب، وغيره بتاء الخطاب، والذي دلنا على موضعه: وقوعه بعد ترجمة مولاها.

وقرأ حمزة والكسائي ومن تطوع خيرا ، فمن تطوع خيرا بسكون العين وتثقيل الطاء، وبالياء في مكان التاء، وفي الكلام تقديم وتأخير.

والمعنى: أنهما قرآ بالياء المعجمة المفتوحة في أول الفعل وبعدها طاء مفتوحة مشددة وبعدها عين ساكنة. وقرأ حمزة والكسائي أيضا بتوحيد لفظ الرياح، أي بحذف الألف فتسكن الياء في هذه السورة، (وتصريف الريح)، وفي الكهف (تذروه الريح)، وفي سورة الشريعة وهي الجاثية (وتصريف الريح). وانضم إليهم ابن كثير في توحيد لفظ الرياح، في السور الآتية: النمل، (ومن يرسل الريح بشرا)، والأعراف (وهو الذي يرسل الريح بشرا). وفي الموضع الثاني من الروم (الله الذي يرسل الريح)، واحترز به عن الموضع الأول ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات . فلا خلاف في قراءته بالجمع، وفي فاطر والله الذي أرسل الرياح . وانفرد حمزة بقراءة هذا اللفظ بالإفراد في الحجر وأرسلنا الرياح لواقح وقرأ السبعة إلا نافعا بالتوحيد في سورة الشورى إن يشأ يسكن الريح وفي السورة التي تحت الرعد وهي إبراهيم كرماد اشتدت به الريح فتكون قراءة نافع بالجمع في السورتين. وقرأ البزي وقنبل عن ابن كثير بالتوحيد في سورة الفرقان، وهو الذي أرسل الرياح بشرا وقرأ غيرهما بالجمع.



[ ص: 213 ]

49 - وأي خطاب بعد عم ولو يرى     وفي إذ يرون الياء بالضم كللا



قرأ المشار إليهما بكلمة (عم) وهما: نافع وابن عامر بتاء الخطاب في قوله تعالى: ولو يرى الذين ظلموا . ويشير بقوله (وأي خطاب) إلى تفخيم شأن هذا الخطاب وتهويل أمره لما فيه من الدلالة على تفظيع العذاب الذي ادخره الله عز وجل لمتخذي الأصنام أندادا، وفي قوله (عم) إشارة إلى أن قوله تعالى: ولو ترى على هذه القراءة الخطاب فيه عام لكل من تتأتى منه الرؤية، وقرأ غيرهما بياء الغيب. وقرأ ابن عامر إذ يرون العذاب بضم الياء، فتكون قراءة غيره بفتحها. ومعنى قوله (كللا) أن الياء كللت بالضمة، شبه الضمة بالإكليل، وهو التاج الذي يوضع فوق رأس الملوك.


50 - وحيث أتى خطوات الطاء ساكن     وقل ضمه عن زاهد كيف رتلا



المعنى: أن لفظ خطوات حيث وقع في القرآن الطاء فيه ساكن للجميع ما عدا حفصا، وقنبلا، وابن عامر، والكسائي، فإنهم يضمونها، وذكر الناظم القراءتين، لأن إحداهما لا تؤخذ من الضد إذ ضد السكون الفتح، وضد الضم الفتح.


51 - وضمك أولى الساكنين لثالث     يضم لزوما كسره في ند حلا
52 - قل ادعوا أو انقص قالت اخرج أن اعبدوا     ومحظورا انظر مع قد استهزئ اعتلا
53 - سوى أو وقل لابن العلا وبكسره     لتنوينه قال ابن ذكوان مقولا
54 - بخلف له في رحمة وخبيثة



إذا اجتمع ساكنان في كلمتين، وكان الساكن الأول في آخر الكلمة الأولى والثاني في الكلمة الثانية، وكان أول الثانية همزة وصل تضم عند الابتداء، وكان الحرف الثالث في الكلمة مضموما ضمة لازمة فقد اختلف القراء في الساكن الأول مع إجماعهم على تحريكه للتخلص من الساكنين، فمنهم من ضمه لأجل ضم الحرف الثالث في الكلمة الثانية، فيكون ضمه للإتباع كراهة الانتقال من كسر إلى ضم، ولا اعتداد بالحرف الساكن بينهما، لأن الحرف الساكن حاجز غير حصين. وقد أشار الناظم إلى هذه العلة [ ص: 214 ] بقوله: (لثالث)، وهناك علة ثانية وهي أن ضم هذا الساكن يدل على حركة همزة الوصل التي حذفت في الوصل، وهي الضمة، ومنهم من كسره، والذين حركوا هذا الساكن بالضم هم: نافع، وابن كثير، وابن عامر، والكسائي، والذين حركوه بالكسر هم المشار إليهم بالفاء والنون والحاء وهم حمزة وعاصم وأبو عمرو، وعلة تحريكهم هذا الساكن بالكسر أنه الأصل في التخلص من التقاء الساكنين، وذلك نحو الأمثلة التي ذكرها الناظم: قل ادعوا الله في الإسراء، أو انقص منه قليلا في المزمل، وقالت اخرج عليهن في يوسف، أن اعبدوا الله في نوح، وما كان عطاء ربك محظورا انظر في الإسراء، ولقد استهزئ برسل من قبلك في الأنعام وغيرها.

فالساكن الأول في المثال اللام، وفي الثاني الواو، وفي الثالث التاء، وفي الرابع النون، وفي الخامس التنوين، وفي السادس الدال.

والساكن الثاني في المثال الأول، وفي الثاني النون، وفي الثالث الخاء، وفي الرابع العين، وفي الخامس النون، وفي السادس السين. وأول الكلمة الثانية في كل مثال من الأمثلة المذكورة همزة وصل تضم عند الابتداء، والحرف الثالث في الكلمة الثانية من هذه الأمثلة مضموم ضما لازما. وإنما عد الحرف المضموم ثالث حروف الكلمة لأحد اعتبارين: الأول: أن قبله الحرف الساكن، وقبل الحرف الساكن همزة الوصل فهمزة الوصل أول حروف الكلمة، وثانيها: الحرف الساكن، وثالثها: الحرف المضموم، وهذا بالنظر للابتداء بالكلمة، وأيضا بالنظر لرسم الكلمة فإن كلمة (اخرج) مثلا مرسومة في الخط أربعة أحرف: الأول: همزة الوصل، والثاني: الخاء، والثالث: الحرف المضموم، وهو الراء. والرابع: الجيم.

الاعتبار الثاني: أن هذا الحرف المضموم عد ثالثا باعتبار الساكن الأول إذ الحكم متعلق به، فالساكن الأول كالكلام في قل ادعوا هو الحرف الأول، والدال هو الحرف الثاني، والعين وهو المضموم هو الحرف الثالث، وأما همزة الوصل:

فحذفت في الدرج، وهذا منظور فيه لوصل الكلمة الأولى بالثانية.

ويؤخذ من الضابط الذي ذكرناه: أن الساكن الأول لا يضم إلا بشرطين:

الأول: أن يكون الساكن الثاني في كلمة ثانية مبدوءة بهمزة وصل تضم عند الابتداء بها.

الثاني: أن يكون الحرف الثالث من الكلمة الثانية مضموما ضما لازما، ومحترز [ ص: 215 ] الشرط الأول أن الساكن الثاني إذا كان في كلمة مبدوءة بهمزة وصل لا تضم في الابتداء فلا يضم الساكن الأول لأحد من القراء بل يكسر باتفاق، حتى وإن كان الحرف الثالث في هذه الكلمة مضموما ضما لازما نحو: إن الحكم إلا لله ، قل الروح من أمر ربي ، غلبت الروم ، كذبت عاد المرسلين ، بلغت الحلقوم ، فهمزة الوصل في هذه الأمثلة ونحوها تفتح في الابتداء كما هو معلوم.

ومحترز الشرط الثاني: أن الحرف الثالث في الكلمة الثانية إذا كانت ضمته عارضة فلا يضم الساكن الأول بل يكسر لجميع القراء نحو: إن امرؤ ، فإن ضمة الراء عارضة لأنها تابعة لضم الهمزة، ولذلك لو فتحت الهمزة نحو: (إن امرأ)، لفتحت الراء، ولو كسرت الهمزة لكسرت الراء، نحو لكل امرئ ، فنظرا لكون ضمة الراء في هذه الكلمة عارضة لا يبتدأ بهمزة الوصل إلا مكسورة، سواء ضمت الراء أو فتحت أو كسرت، ومن ذلك أن امشوا ، ثم اقضوا ، فإن ضمة الشين والضاد عارضة، لأن الأصل امشيوا، اقضيوا، بكسر الشين والضاد، كما هو مقرر في فن الصرف. ويبتدأ بهمزة الوصل مكسورة فيهما نظرا لعروض ضمة الحرف الثالث في الكلمتين، ومن الحركة العارضة حركة الإعراب نحو: بغلام اسمه يحيى ، وقالت اليهود عزير ابن الله والتمثيل بعزير لا يصح إلا على قراءة من ينونه، وهو عاصم والكسائي، فكلاهما يكسر التنوين. فأما عاصم: فعلى أصل مذهبه في كسر أول الساكنين مطلقا. وأما الكسائي فلعروض الضمة، لأنها ضمة إعراب تتحقق وتنتفي حسب العوامل، فتتحقق في حالة الرفع، وتنتفي في حالة النصب، وتحل الفتحة محلها، وفي حالة الجر تحل الكسرة محلها. ومن الضمة العارضة: ضمة القاف في أن اتقوا الله لأن الأصل اتقيوا بكسر القاف وضم الياء، فاستثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى القاف ثم حذفت الياء.

وقال بعضهم: إن القاف المضمومة ليست ثالثة حروف الكلمة بل هي رابعة حروفها، لأن قبلها التاء مشددة، فهي حرفان، وقبلها همزة الوصل، فيكون قبل القاف ثلاثة أحرف: همزة الوصل، والتاء المشددة بحرفين، فتكون القاف رابعة الأحرف، فجميع ما تقدم من محترز الشرطين يكسر فيه أول الساكنين لكل القراء.

وقال بعض المحققين: إن الشرط الأول كاف وحده، ولا حاجة إلى الثاني، لأنه إذا تحقق الشرط الأول خرج مثل: إن الحكم ، قل الروح [ ص: 216 ] غلبت الروم ، وما شاكل ذلك لفتح همزة الوصل في هذه الأمثلة وأشباهها. وخرج إن امرؤ ، أن امشوا ، ثم اقضوا ، بغلام اسمه ، عزير ابن ، أن اتقوا لكسر همزة الوصل فيها وأشباهها. وحينئذ لا يضم الساكن الأول في شيء مما ذكر بل يكسر للجميع، وممن جنح إلى الاكتفاء بالشرط الأول: الإمام مكي بن أبي طالب حيث قال: اختلفوا في الساكنين إذا اجتمعا من كلمتين وكانت الألف أي همزة الوصل التي تدخل على الساكن الثاني في الابتداء تبتدأ بالضم انتهى.

واختصر العلامة الجعبري ما قاله الإمام مكي فقال: اختلفوا في حركة الأول من الساكنين إذا كان بينهما همزة وصل مضمومة. ثم قال: وهذا يغني عن لزوم الضم انتهى. ثم استثنى الناظم لأبي عمرو الواو من أو، واللام من قل، فقرأ بالضم فيهما حيث وقعا نحو: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ، قل انظروا ماذا في السماوات والأرض ، أو انقص منه قليلا .

فيكون أبو عمرو قد خالف أصله في أو، وقل، فقط. وقول الناظم: (وبكسره لتنوينه قال ابن ذكوان مقولا) في قوة الاستثناء من مذهب ابن ذكوان، لأن مذهبه ضم الساكن الأول في جملة من يضمون، فإذا كان الساكن تنوينا فإن ابن ذكوان يكسره نحو: محظورا انظر ، منيب ادخلوها ، واختلف عنه في موضعين: لا ينالهم الله برحمة ادخلوا بالأعراف، كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض بإبراهيم. فروي عنه في كل منهما الضم والكسر. و(مقولا) بضم الميم وكسر الواو مأخوذ من أقوله مثل قوله أي جعله قولا له، وهو منصوب على الحال.


54 ورفعك ليس البر ينصب في علا      55 - ولكن خفيف وارفع البر عم فيـ
هما وموص ثقله صح شلشلا



أي قرأ حمزة وحفص ليس البر أن تولوا بنصب الراء، وقرأ الباقون برفعها، وأخذت قراءة الباقين من قوله: (ورفعك ليس البر) أي رفعك (ليس البر) الثابت للقراء ينصب لحمزة وحفص، فيكون قد نصب على القراءتين، ولو قال: (ليس البر ينصب في علا)، لنص على قراءة واحدة، ولكانت القراءة الثانية بخفض الراء لأن الخفض ضد النصب، وليست [ ص: 217 ] القراءة الثانية كذلك، فمن أجل هذا (ورفعك) إلخ، ليدل على قراءة غير حفص وحمزة، وقول الناظم (ليس البر) من غير واو يعطي أن موضع الخلاف إنما هو المجرد من الواو، وأما المقترن بها وهو: وليس البر بأن تأتوا البيوت ، فقد اتفق القراء على قراءته برفع الراء. ثم بين أن نافعا والشامي يقرءان: ولكن البر من آمن بالله ، ولكن البر من اتقى . بتخفيف نون (ولكن)، وكسرها، ورفع راء البر في الموضعين، فتكون قراءة الباقين بتشديد النون ونصبها ونصب راء البر. وأخيرا ذكر أن شعبة وحمزة والكسائي قرءوا من موص بتثقيل الصاد، ويلزمه فتح فتكون قراءة الباقين بتخفيف الصاد، ويلزمه سكون الواو، (والشلشل) الخفيف.


56 - وفدية نون وارفع الخفض بعد في     طعام لدى غصن دنا وتذللا
57 - مساكين مجموعا وليس منونا     ويفتح منه النون عم وأبجلا



قرأ هشام وأبو عمرو والكوفيون وابن كثير بتنوين فدية، ورفع الميم في طعام، فتكون قراءة نافع وابن ذكوان بحذف التنوين وخفض الميم، وقرأ نافع وابن عامر (مساكين) بالجمع، وترك التنوين وفتح النون، وقرأ الباقون (مسكين) بالإفراد وإثبات التنوين في النون وكسرها، فتصير قراءة نافع وابن ذكوان بترك التنوين وخفض الميم، وجمع مساكين، وقراءة هشام بالتنوين ورفع الميم وجمع مساكين، وقراءة الباقين بالتنوين، ورفع الميم وإفراد مساكين. و(أبجلا) كفى، يقال: أبجله الشيء إذا كفاه.


58 - ونقل قران والقران دواؤنا     وفي تكملوا قل شعبة الميم ثقلا



قرأ ابن كثير بنقل حركة الهمزة إلى الراء الساكنة قبلها مع حذف الهمزة في لفظ قرآن، وما تصرف منه حيث وقع وكيف نزل، سواء كان مقرونا بلام التعريف نحو: أنزل فيه القرآن ، أم مضافا إلى اسم ظاهر نحو: وقرآن الفجر ، أم إلى ضمير نحو: فاتبع قرآنه ، أم كان خاليا من اللام والإضافة نحو: وقرآنا فرقناه ، وقرأ الباقون بإثبات الهمز وسكون الراء. وقرأ شعبة ولتكملوا العدة بتثقيل الميم، ويلزمه فتح الكاف، وقرأ غيره بتخفيف الميم وسكون الكاف.

التالي السابق


الخدمات العلمية