صفحة جزء
5253 [ ص: 163 ] وقول الله تعالى: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون


وقول الله بالجر، عطف على الأشربة المجرورة بالإضافة، والآية بتمامها مذكورة في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر إلى قوله (رجس) الآية، وأول الآية: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر الآية، وذكر البخاري هذه الآية تمهيدا لما يذكره من الأحاديث التي وردت في الخمر، وقد ذكرناها في سورة المائدة، وسبب نزولها ما قال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال: لما نزل تحريم الخمر قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت هذه الآية التي في البقرة يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت الآية التي في النساء يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى فكان منادي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة ينادي: أن لا يقرب الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت التي في المائدة، فدعي عمر فقرئت عليه، فلما بلغ فهل أنتم منتهون قال عمر: انتهينا انتهينا وهكذا رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي من طرق عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، وصحح هذا الحديث الترمذي وعلي بن المديني .

قوله الخمر اختلف أهل اللغة في اشتقاق اسم الخمر على ألفاظ قريبة المعاني، فقيل: سميت خمرا؛ لأنها تخمر العقل، أي: تغطيه وتستره، ومنه خمار المرأة؛ لأنه يغطي رأسها، وقيل: مشتقة من المخامرة وهي المخالطة; لأنها تخالط العقل، وقيل: سميت خمرا لأنها تركت حتى أدركت، يقال خمر العجين، أي بلغ إدراكه، وقيل: سميت خمرا لتغطيتها الدماغ، وقال أبو حنيفة: هي مؤنثة، وقد ذكر ذلك الفراء، وأنشد قول الأعشى:


وكأن الخمر العتيق من الإسفنـ ـط ممزوجة بماء زلال



وذكرها حيث قال: العتيق لإرادة الشراب، ولها أسماء كثيرة، وذكر صاحب التلويح ما يناهز تسعين اسما، وذكر ابن المعتز مائة وعشرين اسما، وذكر ابن دحية مائة وتسعين اسما.

قوله والميسر القمار، وعن عطاء، ومجاهد، وطاوس: كل شيء من القمار فهو الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز. وقال راشد بن سعيد، وحمزة بن حبيب: حتى الكعاب، والجوز، والبيض التي يلعب بها الصبيان. وقال الزمخشري: الميسر القمار، مصدر من يسر كالموعد والمرجع من فعلهما، يقال: يسرته إذا قمرته، واشتقاقه من اليسر; لأنه أخذ مال الرجل بيسر وسهولة من غير تعب ولا كد، أو من اليسار؛ لأنه يسلب يساره.

قوله والأنصاب جمع نصب بضم الصاد وسكونها، وهو حجر كانوا ينصبونه في الجاهلية ويتخذونه صنما، فيعبدونه، وقيل: كانوا ينصبونه ويذبحون عليه، فيحمر بالدم.

قوله والأزلام جمع زلم، وهو بفتح الزاي، وهي عبارة عن قداح ثلاثة على أحدها: "أمرني ربي" وعلى الآخر: "نهاني ربي" والثالث عطل ليس عليه شيء، فإذا خرج الآمر فعله، وإذا خرج الناهي تركه، وإن طلع الفارغ أعاد الاستقسام، وقيل: نعتت الخمر بأنها رجس، أي نجسة وقذرة، ولا عين توصف بذلك إلا وهي محرمة، يدل على ذلك الميتة والدم، والرجس قد ورد في كتاب الله عز وجل، والمراد به الكفر، قال الله تعالى: فزادتهم رجسا إلى رجسهم يعني الكفر، ولا يصح أن يكون الرجس المذكور في آية الخمر يراد به الكفر; لأن الأعيان لا يصح أن تكون إيمانا ولا كفرا، ولأن الخمر لو كانت كفرا لوجب أن يكون العصير إيمانا; لأن الكفر والإيمان طريقهما الاعتقاد والقول، وإنما أطلق عليها الرجس؛ لكونها أقوى في التحريم وأوكد عند العلماء، وقد مر في التفسير بأبسط من هذا.

التالي السابق


الخدمات العلمية