صفحة جزء
الشاذ


161 . وذو الشذوذ : ما يخالف الثقه فيه الملا فالشافعي حققه      162 . والحاكم الخلاف فيه ما اشترط
وللخليلي مفرد الراوي فقط      163 . ورد ما قالا بفرد الثقة
كالنهي عن بيع الولا والهبة      164 . وقول مسلم : روى الزهري
تسعين فردا كلها قوي      165 . واختار فيما لم يخالف أن من
يقرب من ضبط ففرده حسن      166 . أو بلغ الضبط فصحح أو بعد
عنه فمما شذ فاطرحه ورد


[ ص: 246 ] اختلف أهل العلم بالحديث في صفة الحديث الشاذ ، فقال الشافعي : ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره ، وإنما أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس ، وحكى أبو يعلى الخليلي عن جماعة من أهل الحجاز نحو هذا ، وقال الحاكم : "هو الحديث الذي ينفرد به ثقة من الثقات ، وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة" . فلم يشترط الحاكم فيه مخالفة الناس ، وذكر أنه يغاير المعلل من حيث إن المعلل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه ، والشاذ لم يوقف فيه على علته كذلك .

وقال أبو يعلى الخليلي : الذي عليه حفاظ الحديث : أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد ، يشذ بذلك شيخ ، ثقة كان أو غير ثقة ، فما كان عن غير ثقة فمتروك لا يقبل ، وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به فلم يشترط الخليلي في الشاذ تفرد الثقة ، بل مطلق التفرد . وقوله : ورد ، أي : ابن الصلاح ما قال الحاكم والخليلي بأفراد الثقات الصحيحة ، وبقول مسلم الآتي ذكره ، فقال ابن الصلاح : "أما ما [ ص: 247 ] حكم الشافعي عليه بالشذوذ ، فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول ، قال : وأما ما حكيناه عن غيره فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط ، كحديث : " إنما الأعمال بالنيات " ثم ذكر مواضع التفرد منه ، ثم قال : وأوضح من ذلك في ذلك : حديث عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " نهى عن بيع الولاء وهبته " تفرد به عبد الله بن دينار . وحديث مالك ، عن الزهري ، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " دخل مكة وعلى رأسه المغفر " تفرد به مالك عن الزهري .

فكل هذه مخرجة في [ ص: 248 ] الصحيحين مع أنها ليس لها إلا إسناد واحد تفرد به ثقة ، قال : وفي غرائب الصحيح أشباه لذلك غير قليلة ، قال : وقد قال مسلم بن الحجاج : " للزهري نحو تسعين حرفا يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لا يشاركه فيها أحد بأسانيد جياد" قال : فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به الخليلي والحاكم ، بل الأمر في ذلك على تفصيل نبينه فنقول : إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه ، فإن كان مخالفا لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك ، وأضبط ، كان ما انفرد به شاذا مردودا ، وإن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره ، فينظر في هذا الراوي المنفرد ، فإن كان عدلا [ ص: 249 ] حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه كما سبق من الأمثلة ، وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به ، كان انفراده به خارما له مزحزحا له عن حيز الصحيح ، ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه ، فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده ، استحسنا حديثه ذلك ، ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف ، وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به ، وكان من قبيل الشاذ المنكر . انتهى .

[ ص: 250 ] وهذا معنى قوله : ( واختار ) ، أي : ابن الصلاح في الفرد الذي لم يخالف .

وقوله : ( ورد ) ، هو أمر معطوف على قوله : ( فاطرحه ) ، قال ابن الصلاح : فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان :

أحدهما : الحديث الفرد المخالف .

والثاني : الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجب التفرد والشذوذ من النكارة والضعف ، والله أعلم . وسيأتي مثال لقسمي الشاذ في الباب الذي بعده .

التالي السابق


الخدمات العلمية