التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
وقوله تعالى: قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات أي: كل سورة منها مثل سورة منه.

وقوله: فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنـزل بعلم الله أي: الله عالم بإنزاله، وأنه حق من عنده.

وقيل: المعنى: فاعلموا أن ما فيه من الإخبار عن الغيوب دليل على أنه من عند الله.

والضمير في {لكم} للمؤمنين، وفي {فاعلموا} للجميع؛ أي: فليعلم الجميع أنما أنزل بعلم الله، قاله مجاهد.

وقيل: هما للمشركين؛ والمعنى: فإن لم يستجب لكم من تدعونه إلى المعاونة، ولا تهيأت لكم المعارضة؛ فاعلموا أنما أنزل بعلم الله.

وقيل: الضمير في {لكم} للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، وفي {فاعلموا} للمشركين.

[ ص: 385 ] وقيل: هو كله للنبي صلى الله عليه وسلم، وخوطب بخطاب الجميع تعظيما له.

وأن لا إله إلا هو أي: واعلموا أن لا إله إلا هو.

وقوله: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها : الآيتين: هذا عام في اللفظ، خاص في الكفار؛ بدليل قوله: أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار ، وقد تقدم نظائره.

وقوله تعالى: أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه : [قال قتادة، وعكرمة، وغيرهما: المعنى: أفمن كان على بينة من ربه كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها؟

والمراد في قوله: أفمن كان على بينة من ربه النبي صلى الله عليه وسلم، والهاء في {ربه} تعود عليه.

وقوله: ويتلوه شاهد منه : قال ابن عباس، وغيره: (الشاهد) : جبريل عليه السلام، فالهاء في {منه} لله تعالى.

مجاهد: (الشاهد) : ملك مع النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى يحفظه.

علي رضي الله عنه، وغيره: (الشاهد) : لسانه؛ فالمعنى: ويتلو القرآن شاهد من محمد صلى الله عليه وسلم؛ وهو لسانه.

وقيل: إن الذي على بينة من ربه: من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم، ويتلوه شاهد من الله تعالى؛ وهو النبي صلى الله عليه وسلم، قاله الحسين بن علي رضي الله عنه، وابن زيد.

[ ص: 386 ] وقيل: (الشاهد) : الإنجيل، يتلو القرآن بالتصديق، فالهاء في {منه} لله تعالى، وقوله: ومن قبله كتاب موسى [على هذا معناه: ومن قبل الإنجيل كتاب موسى].

الزجاج: المعنى: ويتلوه من قبله كتاب موسى؛ لأن النبي صلى الله عليه موصوف في التوراة والإنجيل.

وقيل: (الشاهد) : إعجاز القرآن، فالهاء في {منه} للقرآن.

وهي في يؤمنون به يجوز أن تكون للقرآن، ويجوز أن تكون للنبي صلى الله عليه وسلم.

ومن قرأ: {ومن قبله كتاب موسى} ؛ بالنصب؛ فهو معطوف على الهاء في {يتلوه} ؛ والمعنى: ويتلو كتاب موسى جبريل عليه السلام؛ أي: يقرؤه، وكذلك قال ابن عباس: المعنى: ومن قبله تلا جبريل كتاب موسى على موسى، ويجوز على ما ذكره ابن عباس أيضا من هذا القول: أن يرفع {كتاب} على أن يكون المعنى: ومن قبله كتاب موسى كذلك؛ أي: تلاه جبريل عليه السلام على موسى؛ كما تلا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم.

ومن يكفر به من الأحزاب يعني: من الملل كلها، عن قتادة.

وقوله: ويقول الأشهاد يعني: الملائكة الحفظة، عن مجاهد، وغيره.

[ ص: 387 ] الضحاك: هم الأنبياء والمرسلون.

وقيل: الملائكة، والأنبياء، والعلماء.

وقوله تعالى: أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض أي: بهرب ولا استخفاء من الله تعالى إذا أراد عقابهم، [وخص الأرض على ما جرت به عادتهم من قولهم: (لا وزر لك مني، ولا نفق، ولا معقل) ، فأخبر أن جميع ما في الأرض لا يمنعهم منه].

يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون : قيل: إن {ما} نافية، فالوقف على {العذاب} على هذا كاف؛ والمعنى: ما كانوا يستطيعون في الدنيا أن يسمعوا سمعا ينتفعون به، ولا أن يبصروا إبصار مهتد.

[وقيل: المعنى: ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أن ينظروا إليه؛ لشدة عداوتهم إياه.

وقيل: إن الإخبار بذلك عن آلهتهم].

[ ص: 388 ] وقيل: إن {ما} ظرف؛ والمعنى: يضاعف لهم العذاب أبدا؛ أي: وقت استطاعتهم السمع والبصر، والله تعالى يجعلهم في جهنم مستطيعي ذلك أبدا.

وقيل: المعنى: يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع، وبما كانوا يبصرون، ولم يستعملوا ذلك في استماع الحق وإبصاره.

وقوله تعالى: لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون : معنى لا جرم عند الخليل وسيبويه: حق، فــ{لا} و {جرم} كلمة واحدة تبنى على الفتح.

وعن الخليل أيضا: أن معناها: لا بد، ولا محالة.

الكسائي: معناها: لا صد، ولا منع.

وقيل: معناه: لا قطع عن أنهم في الآخرة هم الأخسرون، وأصل {جرم} من معنى القطع.

وقيل: المعنى: لا قطع قاطع عن ذلك، فحذف الفاعل حيث كثر استعماله، فصار كالمثل.

[ ص: 389 ] وذهب الزجاج إلى أنه لا رد لما قالوه، و {جرم} بمعنى: كسب؛ أي: كسب ذلك الفعل لهم الخسران.

وقوله: وأخبتوا إلى ربهم : معنى: {أخبتوا} في قول ابن عباس: أنابوا، وفي قول مجاهد: اطمأنوا، وفي قول قتادة: خشعوا وخضعوا.

الحسن: (الإخبات) : الخشوع؛ للمخافة الثابتة في القلب.

وأصل (الإخبات) : الاستواء، من (الخبت) ؛ وهو الأرض المستوية الواسعة، فـ (الإخبات) : الخشوع، والاطمئنان، والإنابة إلى الله تعالى، المستمر على ذلك على استواء.

ومعنى: إلى ربهم : لربهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية