التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

صفحة جزء
وقوله: ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء : لفظه لفظ الخبر، ومعناه النهي.

ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس : فضله عليهم: النبوة، وعلى الناس: دلالته إياهم على الإيمان.

ثم قال لهما: يا صاحبي السجن ؛ لأنهما كانا فيه؛ كقولك: (أصحاب الجنة)، و (أصحاب النار).

أأرباب متفرقون يعني: الأوثان التي فيها صغير وكبير، خير أم الله الواحد القهار ؛ فدلهم على توحيد الله تعالى قبل أن يخبرهما بتأويل ما سألاه عنه.

ما أنـزل الله بها من سلطان أي: من حجة.

وقوله: أما أحدكما فيسقي ربه خمرا أي: يرد على عمله الذي كان فيه، وأما الآخر فيصلب يعني: صاحب الطعام، فقال له: لم أر شيئا، فقال: قضي الأمر الذي فيه تستفتيان أي: الذي قلته لكما كائن على كل حال، علم ذلك بالوحي.

[ ص: 500 ] وقيل: إنما أجابهما أولا بغير جواب ما سألاه عنه؛ كراهة أن يخبر صاحب الطعام بما يكرهه.

ويروى: أنهما قالا له: إنما كنا نلعب.

وقيل: كانا رأيا ما سألاه عنه، ثم أنكراه.

وقيل: إنما أنكر الذي عبر له بالصلب.

وقوله: وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك : الظن ههنا بمعنى اليقين.

ومعنى عند ربك عند سيدك.

وقوله: فأنساه الشيطان ذكر ربه : (الهاء) ليوسف؛ أي: أنساه الشيطان ذكر الله تعالى، وقيل: (الهاءان) للساقي؛ وهو الناسي.

فلبث في السجن بضع سنين : (البضع) قطعة من الدهر مختلف فيها:

قال ابن عباس: هي من الثلاث إلى العشر.

مجاهد، وقتادة: هي من الثلاث إلى التسع.

وهب: سبع سنين.

أبو عبيدة: (البضع): من الواحد إلى الأربعة.

[ ص: 501 ] قال بعض المفسرين: إنما قال: اذكرني عند ربك بعد أن لبث في السجن خمس سنين، ثم لبث بعد ذلك سبع سنين.

وقوله تعالى: وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يعني: الملك الأكبر، و (العجاف): المهازيل.

وقوله: إن كنتم للرؤيا تعبرون : (العبارة): مشتقة من (عبور النهر) ؛ فمعنى (عبرت النهر): بلغت شاطئه، فعابر الرؤيا يخبر بما يؤول إليه أمرها.

وقوله: قالوا أضغاث أحلام أي: أخلاط أحلام، و (الضغث): حزمة من النبات فيها ضروب مختلفة، وواحد (الأحلام): (حلم)، وأصله: الأناة، ومنه: (الحلم)، فسمي ما يراه النائم حلما؛ لأن النوم حال أناة، وسكون، ودعة.

وقوله: وقال الذي نجا منهما يعني: ساقي الملك.

وادكر بعد أمة : أي: بعد حين، عن ابن عباس وغيره، وأصله: الجملة من الحين، و (الأمة): الجماعة الكثيرة من الناس.

وقوله: أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون : في الكلام حذف دل عليه المعنى؛ والتقدير: أنا أنبئكم بتأويله، فأرسلون، فأرسلوه، فأتي يوسف، فقال: أيها الصديق ، و {الصديق}: (فعيل) ؛ من الصدق؛ وهو المبالغ في الصدق.

وقوله: أفتنا في سبع بقرات سمان أي: أخبرنا بتأويل ذلك، فقال لهم يوسف: أما البقرات السمان، والسنبلات الخضر؛ فسبع سنين مخصبة، وأما [ ص: 502 ] البقرات العجاف، والسنبلات اليابسات؛ فسبع سنين جدبة، فما حصدتم في السبع الخصبة؛ فذروه في سنبله؛ لأنه أبقى له.

وقوله: {دأبا} أي: ملازمة، و (الدأب): استمرار الشيء على عادة.

وقوله: ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يعني: سبع سنين جدبة.

ومعنى يأكلن : يؤكل فيهن.

إلا قليلا مما تحصنون أي: مما تدخرون للحرث.

ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون : هذا ليس في رؤيا الملك، أخبرهم به يوسف؛ دلالة على نبوته عليه السلام.

قال ابن عباس: معنى {يعصرون} أي: يعصرون العنب والزيتون، وعنه أيضا: يحلبون.

أبو عبيدة: ينجون.

وقوله تعالى: فلما جاءه الرسول أي: فلما جاء يوسف الرسول؛ قال ارجع إلى ربك أي: إلى سيدك، فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن : أراد بذلك تحقيق براءته مما نسب إليه؛ فدعا الملك بالنسوة فخاطبهن جمع، ولم يفرد [ ص: 503 ] امرأة العزيز؛ تأدبا وحسن عشرة، فقال: ما خطبكن أي: ما شأنكن، إذ راودتن يوسف عن نفسه ؟

وقيل: إنما قال لهن ذلك؛ لأنهن قلن ليوسف حين جمعتهن امرأة العزيز: وما عليك أن تفعل؟

وقيل: بل ظن أنهن راودنه كلهن.

فقال النسوة: حاش لله ما علمنا عليه من سوء ، فأقرت امرأة العزيز حينئذ، وقالت: الآن حصحص الحق أي: تبين ووضح، عن ابن عباس، وغيره، وهو مشتق من: (الحصة) ؛ فالمعنى: بانت حصة الحق من حصة الباطل.

وقيل: هو مأخوذ من (حص شعره) ؛ إذا استأصل قطعة؛ فمعنى حصحص الحق : انقطع من الباطل.

وقوله تعالى: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب أي: قال يوسف: ذلك الأمر الذي فعلته من ردي الرسول؛ ليعلم العزيز أني لم أخنه بالغيب، قاله الحسن، وقتادة، وغيرهما، ومعنى {بالغيب}: وهو غائب.

وروي: أن جبريل عليه السلام قال له حين قال ذلك: ولا حين هممت؟ وقيل: قال له: ولا حين حللت التكة؟ فتذكر يوسف فقال: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء .

ابن جريج: هو من قول يوسف في السجن، متصل بقوله: إن ربي بكيدهن عليم .

[ ص: 504 ] وقيل: هو من قول امرأة العزيز؛ والمعنى: ذلك ليعلم يوسف أني لم أذكره بسوء وهو غائب.

وقوله: ائتوني به أستخلصه لنفسي أي: أجعله خالصا لنفسي.

قال إنك اليوم لدينا مكين أمين أي: مكين في المنزلة، أمين قد عرفنا أمانتك فيما قذفت به.

وقيل: معنى {أمين}: آمن، لا تخاف غدرا.

وقوله تعالى: قال اجعلني على خزائن الأرض يعني: خزائن أموالها.

إني حفيظ عليم أي: حفيظ لها، عليم بوجوه متصرفاتها.

وقيل: حافظ للحساب، عليم بالألسن.

وقيل: إنما سأل يوسف أن يجعل على خزائن الأرض؛ ليقوم فيها بالعدل والصلاح، ويروى: أن الملك سلم إليه جميع ملكه.

وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يعني: أرض مصر.

التالي السابق


الخدمات العلمية