صفحة جزء
باب ميراث ابنة الابن مع بنت

6355 حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا أبو قيس سمعت هزيل بن شرحبيل قال سئل أبو موسى عن بنت وابنة ابن وأخت فقال للبنت النصف وللأخت النصف وأت ابن مسعود فسيتابعني فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين أقضي فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم للابنة النصف ولابنة ابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم
قوله : ( باب ميراث ابنة ابن مع ابنة ) في رواية الكشميهني " مع بنت " .

قوله : ( حدثنا أبو قيس ) هو عبد الرحمن بن ثروان بفتح المثلثة وسكون الراء ، وهزيل بالزاي مصغر ، ووقع في كتب كثير من الفقهاء هذيل بالذال المعجمة ، وهو تحريف هو ابن شرحبيل ، وهو والراوي عنه كوفيان أوديان ، ووقع في رواية النسائي من طريق وكيع عن سفيان : " عن أبي قيس واسمه عبد الرحمن " .

قوله : ( سئل أبو موسى ) في رواية غندر عن شعبة عند النسائي : " جاء رجل إلى أبي موسى الأشعري ، وهو الأمير ، وإلى سلمان بن ربيعة الباهلي فسألهما " ، وكذا أخرجه أبو داود من طريق الأعمش عن أبي قيس لكن لم يقل وهو الأمير ، وكذا للترمذي وابن ماجه والطحاوي والدارمي من طرق عن سفيان الثوري بزيادة سلمان بن ربيعة مع أبي موسى ، وقد ذكروا أن سلمان المذكور كان على قضاء الكوفة .

قوله : ( وائت ابن مسعود فسيتابعني ) في رواية الأعمش والثوري المشار إليهما : " فقال له أبو موسى وسلمان ابن ربيعة " وفيها أيضا " فسيتابعنا " ، وهذا قاله أبو موسى على سبيل الظن; لأنه اجتهد في المسألة ووافقه سلمان ، فظن أن ابن مسعود يوافقهما ، ويحتمل أن يكون سبب قوله : " ائت ابن مسعود " الاستثبات .

قوله : ( فقال لقد ضللت إذا ) قاله جوابا عن قول أبي موسى إنه سيتابعه ، وأشار إلى أنه لو تابعه لخالف صريح السنة عنده ، وأنه لو خالفها عامدا لضل .

قوله : ( أقضي فيها بما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم ) في رواية الدارقطني من طريق حجاج بن أرطاة عن عبد الرحمن بن مروان " فقال ابن مسعود : كيف أقول " يعني مثل قول أبي موسى ، وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ، فذكره .

( فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود ) فيه إشارة إلى أن هزيلا الراوي توجه مع السائل إلى ابن مسعود ، فسمع جوابه فعاد إلى أبي موسى معهم فأخبروه .

[ ص: 19 ] قوله : ( لا تسألوني ما دام هذا الحبر ) بفتح المهملة وبكسرها أيضا وسكون الموحدة ، حكاه الجوهري ورجح الكسر ، وجزم الفراء بأنه بالكسر وقال : سمي باسم الحبر الذي يكتب به ، وقال أبو عبيد الهروي : هو العالم بتحبير الكلام وتحسينه ، وهو بالفتح في رواية جميع المحدثين ، وأنكر أبو الهيثم الكسر ، وقال الراغب : سمي العالم حبرا لما يبقى من أثر علومه ، وكانت هذه القصة في زمن عثمان هو الذي أمر أبا موسى على الكوفة ، وكان ابن مسعود قبل ذلك ، أميرها ثم عزل قبل ولاية أبي موسى عليها بمدة .

قال ابن بطال : فيه أن العالم يجتهد إذا ظن أن لا نص في المسألة ولا يتولى الجواب إلى أن يبحث عن ذلك ، وفيه أن الحجة عند التنازع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيجب الرجوع إليها ، وفيه ما كانوا عليه من الإنصاف والاعتراف بالحق والرجوع إليه ، وشهادة بعضهم لبعض بالعلم والفضل ، وكثرة اطلاع ابن مسعود على السنة ، وتثبت أبي موسى في الفتيا ؛ حيث دل على من ظن أنه أعلم منه ، قال : ولا خلاف بين الفقهاء فيما رواه ابن مسعود ، وفي جواب أبي موسى إشعار بأنه رجع عما قاله .

وقال ابن عبد البر : لم يخالف في ذلك إلا أبو موسى الأشعري وسلمان ابن ربيعة الباهلي ، وقد رجع أبو موسى عن ذلك ، ولعل سلمان أيضا رجع كأبي موسى ، وسلمان المذكور مختلف في صحبته وله أثر في فتوح العراق أيام عمر وعثمان ، واستشهد في زمن عثمان ، وكان يقال له سلمان الخيل لمعرفته بها .

واستدل الطحاوي بحديث ابن مسعود هذا على أن المراد بحديث ابن عباس : فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر من يكون أقرب العصبات إلى الميت ، فلو كان هناك عصبة أقرب إلى الميت ، ولو كانت أنثى كان المال الباقي لها ، ووجه الدلالة منه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الأخوات من قبل الأب مع البنت عصبة فصرن مع البنات في حكم الذكور من قبل الإرث ، وقال غيره : وجه كون الولد المذكور في قوله تعالى : إن امرؤ هلك ليس له ولد ذكرا ، أنه الذي يسبق إلى الوهم من قول القائل : قال ولد فلان كذا ، فأول ما يقع في نفس السامع أن المراد الذكر وإن كان الإناث أيضا أولادا بالحقيقة ولكن هو أمر شائع ، وقد قال الله تعالى : إنما أموالكم وأولادكم فتنة ، وقال : لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم ، وقال حكاية عن الكافر الذي قال : لأوتين مالا وولدا والمراد بالأولاد والولد في هذه الآي الذكور دون الإناث ; لأن العرب ما كانت تتكاثر بالبنات فإذا حمل قوله تعالى : إن امرؤ هلك ليس له ولد على الولد الذكر لم يمنع الأخت الميراث مع البنت ، وعلى تقدير أن يكون الولد في الآية أعم فإنه محتمل لأن يراد به العموم على ظاهره ، وأن يراد به خصوص الذكر ، فبينت السنة الصحيحة أن المراد به الذكور دون الإناث .

قال ابن العربي : يؤخذ من قصة أبي موسى وابن مسعود جواز العمل بالقياس قبل معرفة الخبر ، والرجوع إلى الخبر بعد معرفته ، ونقض الحكم إذا خالف النص .

قلت : ويؤخذ من صنيع أبي موسى أنه كان يرى العمل بالاجتهاد قبل البحث عن النص ، وهو لائق بمن يعمل بالعام قبل البحث عن المخصص ، وقد نقل ابن الحاجب الإجماع على منع العمل بالعموم قبل البحث عن المخصص ، وتعقب بأن أبوي إسحاق الإسفراييني والشيرازي حكيا الخلاف ، وقال أبو بكر الصيرفي وطائفة : وهو المشهور; وعن الحنفية يجب الانقياد للعموم في الحال ، وقال ابن شريح وابن خيران والقفال : يجب البحث ، قال أبو حامد : وكذا الخلاف في الأمر والنهي المطلق .

التالي السابق


الخدمات العلمية