الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الأثار

الحازمي - أبو بكر محمد بن موسى الحازمي الهمذاني

صفحة جزء
[ ص: 110 ] [ ص: 111 ] الجزء الثاني

من كتاب " الاعتبار في الناسخ والمنسوخ في الحديث " ، تأليف الشيخ الأجل الإمام الحافظ زين الدين ناصر السنة أبي بكر محمد بن موسى الحازمي ، وفقه الله لما يرضيه ، رواية الشيخ الإمام الصدر الكبير ، جمال الحكام ، سديد الدين أبي إسحاق إبراهيم بن عمر بن سماقا الشافعي الأسعدي ، أدام الله رعايته ، وكمل صونه وحمايته .

[ ص: 112 ] [ ص: 113 ] كتاب الطهارة

1 - باب الغسل :

- ما كان في بدء الإسلام أن لا غسل إلا من إنزال .

- ذكر ما يدل على نسخ ذلك .

- ذكر خبر آخر يشيد نسخ ذلك .

2 - باب النهي عن استقبال القبلة ببول أو غائط .

- الاختلاف في ذلك .

- بيان النسخ والجمع بين أحاديث النهي والرخصة .

3 - باب ما جاء في مس الذكر :

- أسباب ترجيح حديث طلق على رواية بسرة في عدم نقض الوضوء من مس الذكر وأجوبتها .

- ذكر خبر يدل على أن قدوم طلق كان في أول الهجرة .

4 - باب الوضوء مما مست النار .

- ذكر ما يدل على النسخ .

- ذكر خبر آخر يدل على أن الرخصة كانت غير مرة .

5 - باب تجديد الوضوء لكل صلاة .

- ذكر ما يدل على نسخ تجديد الوضوء لكل صلاة .

- ذكر خبر آخر شاهد للنسخ .

[ ص: 114 ] 6 - باب ما جاء في جلود الميتة ودبغها .

- ذكر احتجاج بعض العلماء بحديث ابن عكيم في منع جواز الانتفاع بشيء من الميتة قبل الدباغ وبعده .

- بيان أن حديث ابن عكيم قد أعل بأمور ثلاثة .

7 - باب التيمم :

- اختلاف العلماء في كيفية التيمم على أربعة أوجه .

- حديث آخر ناسخ للأول .

8 - باب المسح على الرجلين .

[ ص: 115 ] 1 - باب الغسل

- ما كان في بدء الإسلام أن لا غسل إلا من إنزال .

- أثر عن عثمان في ذلك ، وتخريجه .

- آثار أخر عن الصحابة في ذلك .

- وأثران آخران عن الإمام علي " حاشية " .

- أثر عن أبي وتخريجه .

- حديث الماء من الماء وتخريجه من صحيح مسلم ، وسنن أبي داود .

- حديث صحيح آخر ورد في حادثة وقعت ، وتخريجه من الصحيحين ومسند الإمام أحمد .

- بيان اختلاف أهل العلم في ذلك .

- الأحاديث الموجبة للغسل :

1 - حديث عائشة في صحيح مسلم .

2 - حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما .

3 - عمر ، عثمان ، وعائشة يوجبون الغسل إذا مس الختان الختان .

4 - ذكر من ذهب إلى هذه الآثار من الصحابة .

5 - تحليل هذه الآثار .

- القسم الأول : الماء من الماء المروي عن ابن عباس .

- ابن عباس يبين أن الماء من الماء في الاحتلام .

- إيجاد مناص من غوائل التعارض .

[ ص: 116 ] 1 - كان الماء في الماء رخصة في أول الإسلام ثم نسخ .

2 - أثر عن أبي يوضح ذلك .

3 - بيان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال - بعد ذلك - ما نسخ : الماء من الماء .

4 - حديث رافع بن خديج ، على ضعف فيه .

5 - الإشارة إلى الأحاديث الصحاح المتقدمة في ذلك .

6 - بيان أن أبيا رجع عن ذلك .

7 - بيان أن أبيا ما رجع عن ذلك إلا وقد ثبت عنده نسخ ذلك .

8 - رأي البيهقي " تعليق "

9 - خلاصة الأدلة على إيجاب الغسل " تعليق " .

10 - الرسول - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالغسل بعد ذلك .

11 - الشافعي في كتاب " الأم " .

12 - الرجوع إلى الآثار القوية .

[ ص: 117 ] بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وصلواته على محمد وآله وسلامه

ما كان في بدء الإسلام أن لا غسل إلا من الإنزال

أخبرني أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي الخطيب الطرقي ، أخبرنا يحيى بن عبد الوهاب العبدي ، أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد الكاتب ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن محمد بن ناجية ، حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد ، حدثني أبي ، حدثنا حسين المعلم ، عن يحيى بن أبي كثير ، حدثني أبو سلمة أن عطاء بن يسار أخبره : أن زيد بن خالد ، أخبره : أنه سأل عثمان قال : قلت : أرأيت إذا جامع أحد امرأته ولم يمن ؟ فقال عثمان : يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ، ويغسل ذكره .

قال عثمان : سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم
- .

قال : وسألت عن ذلك علي بن أبي طالب ، والزبير بن العوام ، [ ص: 118 ] وطلحة ، وأبي بن كعب ، فأمروه بذلك .

قال : وحدثني يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة : أن عروة أخبره ، أن أبا أيوب أخبره أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك .

وقال الشافعي : أخبرنا غير واحد من أهل العلم ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أبي أيوب الأنصاري ، عن أبي بن كعب قال : قلت : يا رسول الله ، إذا جامع أحدنا فلم ينزل ما عليه ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : يغسل ما مس المرأة منه ، وليتوضأ ، ثم ليصل .

[ ص: 119 ] قال الشافعي : وهذا أثبت من إسناد الماء من الماء .

هو كما قال الشافعي : فقد روى هذا الحديث : شعبة بن الحجاج ، وحماد بن زيد ، ويحيى بن سعيد القطان ، وأبو معاوية ، وغيرهم عن هشام بن عروة ، نحو ما ذكره الشافعي .

وهو حديث حسن صحيح أخرجه البخاري في الصحيح من حديث يحيى بن سعيد ، وأخرجه مسلم من حديث شعبة ، وحماد ، وأبي معاوية .

قرأت على أبي منصور محمد بن أحمد بن الفرج الوكيل ، أخبرك أبو طالب عبد القادر بن محمد ، أخبرنا أبو علي التميمي ، أخبرنا أبو بكر بن مالك القطيعي ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا يحيى ، عن شعبة ، عن الحكم ، عن ذكوان أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر على رجل من الأنصار فأرسل إليه ، فخرج ورأسه يقطر ، فقال : لعلنا أعجلناك ؟ قال : نعم يا رسول الله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا أعجلت أو قحطت فلا غسل عليك ، وعليك الوضوء .

هذا حديث صحيح ثابت ، متفق عليه ، أخرجاه في الصحيحين .

[ ص: 120 ] وقد اختلف أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب ، فقالت طائفة : لا غسل عليه إذا جامع ولم ينزل . روينا ذلك عن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبي بن كعب ، وأبي أيوب ، وأبي سعيد ، ورافع بن خديج ، وابن عباس ، وزيد بن خالد الجهني ، ومن التابعين : عروة بن الزبير . وأوجبت طائفة الاغتسال إذا التقى الختانان ولم ينزل ، وتمسكوا في ذلك بأحاديث .

أخبرني أبو المحاسن محمد بن علي الأمير ، أخبرنا زاهر بن طاهر النيسابوري ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحافظ ، أخبرنا محمد بن عبد الله ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب ، حدثنا إبراهيم بن محمد الصيدلاني ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا محمد بن عبد الله ، حدثنا هشام بن حسان ، عن حميد بن هلال ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري ، أنهم ذكروا ما يوجب الغسل ، فقام أبو موسى إلى عائشة ، فسلم ثم قال : ما يوجب الغسل ؟ فقالت : على الخبير سقطت ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا جلس بين شعبها الأربع ، ومس الختان الختان فقد وجب الغسل .

هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، أخرجه في كتابه عن محمد بن المثنى ، عن الأنصاري .

قرأت على أبي موسى الحافظ ، أخبرك أبو القاسم غانم بن أبي نصر البرجي ، حدثنا أحمد بن عبد الله ، حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا يونس بن حبيب ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة وهشام ، عن قتادة ، عن الحسن ، [ ص: 121 ] عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا قعد بين شعبها الأربع ثم اجتهد فقد وجب الغسل . وزاد حماد بن سلمة في هذا الحديث : أنزل أو لم ينزل .

أخرجاه في الصحيح من حديث شعبة وهشام ، ورواه أبان بن يزيد عن قتادة ، وذكر فيه الزيادة التي ذكرها حماد بن سلمة ، ورواه مطر الوراق عن الحسن ، وقال في حديثه : وإن لم ينزل .

وقد أخرجه مسلم في الصحيح عن جماعة ، عن معاذ بن هشام ، عن أبيه ، عن مطر .

أخبرني أبو الحسين عبد الحق بن عبد الخالق ، وأبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد بالموصل ، قالا : أخبرنا أبو الحسين أحمد بن عبد القادر بن محمد ، أخبرنا أبو عمرو وعثمان بن محمد بن يوسف ، أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي ، حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي ، حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، أن عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كانوا يقولون : إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل .

رواه الشافعي - رضي الله عنه - في القديم ، وأصحاب الموطأ عن مالك نحوه .

فهذه الآثار تخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يغتسل إذا جامع وإن لم ينزل ، وممن ذهب إلى هذه الآثار من الصحابة : عمر بن الخطاب ، وعبد [ ص: 122 ] الله بن عمر ، وأبو هريرة ، وعائشة . ومن التابعين : شريح القاضي ، وعبيدة السلماني ، والشعبي . وبه قال مالك ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وأهل الكوفة ، والشافعي ، وأصحابه ، وأحمد ، وإسحاق ، وقال أبو بكر بن المنذر : ولا أعلم اليوم بين أهل العلم فيه اختلافا .

فإن قيل : فهذه الآثار تخبر عن فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد يجوز أن يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ليس عليه حتم ، والآثار الأول تخبر عما يجب وعما لا يجب فهي أولى ، يقال : الآثار التي رويت في الفصل الأول قسمان :

قسم منها : الماء من الماء لا غير .

وقسم منها : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لا غسل على من أكسل حتى ينزل .

فأما ما كان من ذلك فيه ذكر الماء من الماء ، فإن بعضهم حمله على وجه يمكن الجمع بين الحكمين ، رويناه عن ابن عباس .

قرأت على أبي موسى الحافظ ، أخبرك الحسن بن أحمد القاري ، أخبرنا أحمد بن عبد الله ، أخبرنا أبو أحمد الغطريفي ، حدثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه ، حدثنا الحنظلي ، حدثنا الملائي ، حدثنا شريك عن أبي الجحاف ، عن عكرمة قال : إنما قال ابن عباس : " الماء من الماء " في الذي يحتلم ليلا ، فيستيقظ من منامه ولا يجد بللا .

وأما ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما بين فيه الأمر ، وأخبر فيه بالقصة ، [ ص: 123 ] وأنه لا غسل في ذلك حتى يكون الماء ؛ فإنه قد روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خلاف ذلك ، وقد صحت الأخبار في طرفي الإيجاب والرخصة ، وتعذر الجمع ، فنظرنا هل نجد مناصا عن غوائل التعارض من جهة التاريخ ؛ حيث تعذر معرفته من صريح اللفظ ؟ فوجدنا آثارا تدل على ذلك ، وبعضها يصرح بالنسخ ، فحينئذ تعين المصير إلى الإيجاب لتحقق النسخ في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية