الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 32 ] باب ما ينبغي للحاكم أن يعلمه من الذي له القسامة وكيف يقسم

مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وينبغي أن يقول له : من قتل صاحبك ؟ فإن قال : فلان . قال : وحده ؟ فإن قال : نعم . قال : عمدا أو خطأ ؟ فإن قال : عمدا . سأله : وما العمد ؟ فإن وصف ما في مثله القصاص أحلف على ذلك ، وإن وصف من العمد ما لا يجب فيه القصاص لم يحلفه عليه . والعمد في ماله والخطأ على عاقلته في ثلاث سنين . فإن قال : قتله فلان ونفر معه ، لم يحلفه حتى يسمي النفر أو عددهم إن لم يعرفهم " . قال الماوردي : وهذا كما قال ، إنما يسمع الحاكم الدعوى للحكم بها ، وليس يسمعها ليعلم قول المدعي فيها ، والحكم لا يجوز إلا بمعلوم مقدر لمعين على معين . فكذلك لا تسمع الدعوى إلا هكذا : ليصح له الحكم فيها . فإذا ادعى رجل عند الحاكم قتل أب له أو أخ ، سأله الحاكم عن قاتله لتتوجه الدعوى على معين يصح سؤاله عنها ، فإذا قال : قتله فلان . سأله : هل قتله وحده أو مع غيره ؛ لأن حكم الانفراد في القتل مخالف لحكم الاشتراك فيه . وله حالتان :

أحدهما : أن يفرده بالقتل .

والحالة الثانية : أن يجعله فيه شريكا لغيره ، فإن أفرده بالقتل ، فقال : قتله وحده . سأله عن القتل هل كان عمدا أو خطأ ؛ لأن حكم العمد مخالف لحكم الخطأ . وله حالتان :

أحدهما : أن يدعي العمد .

والثانية : أن يدعي الخطأ ، فإن قال : قتله عمدا سأله عن العمد : لأنه قد يتصور قتل العمد فيما ليس بعمد : لاختلاف الفقهاء فيما يوجب القود من العمد ، وله حالتان :

إحداهما : أن يصفه بما يكون عمدا .

والثانية : أن يصفه بما لا يكون عمدا . فإن وصفه بما يكون عمدا فقد كملت حينئذ الدعوى ، وجاز للحاكم سؤال المدعى عليه عنها . وكمالها بهذه الشروط الأربعة تعين المدعى عليه . ثم ذكر الانفراد والاشتراك ، ثم ذكر العمد أو الخطأ ، ثم صفته بما يكون [ ص: 33 ] عمدا أو خطأ . فإذا سأل المدعى عليه وهو منفرد في قتل عمد ، فله حالتان :

أحدهما : أن يقر بالقتل .

والحالة الثانية : أن ينكر ، فإن أقر بالقتل وجب عليه القود ، سواء كان مع الدعوى لوث أو لم يكن . فإن عفى الولي عن القود وجبت له الدية المغلظة حالة في مال القاتل .

وإن أنكر القتل ، فللدعوى حالتان :

أحدهما : أن يقترن بها لوث ، فيحكم للمدعي فيها بالقسامة في التبدية بالمدعي وإحلافه خمسين يمينا ، فإذا أقسم بها ، فهل يشاط بها الدم ويقتص بها من المدعى عليه أم لا ؟ على قولين مضيا : القديم منهما : يشاط بها الدم فورا . والجديد منهما : أنه لا قود ، وتجب الدية المغلظة حالة في مال المدعى عليه .

والحالة الثانية : أن لا يكون مع الدعوى لوث فلا قسامة فيها ، ويكون القول قول المدعى عليه مع يمينه ، وهل تغلظ بالعدد ؟ على ما قدمناه من القولين . فإن حلف برئ من القود والدية ، وإن نكل ردت اليمين على المدعي ، وهل تغلظ بالعدد ؟ على ما مضى من القولين . فإن حلف حكم له بالقود إن شاء ، وإن عفا فالدية ، وإن نكل فلا شيء له من قود ولا دية ، وبرئ المدعى عليه من الدعوى إلا أن تكون بينة .

التالي السابق


الخدمات العلمية