صفحة جزء
[ ص: 204 ] الباب التاسع فيما يملك الزوج من الاستمتاع

وفيه مسائل .

إحداها : له جميع أنواع الاستمتاع ، إلا النظر إلى الفرج ، ففيه خلاف سبق في حكم النظر ، وإلا الإتيان في الدبر ، فإنه حرام ، ويجوز التلذذ بما بين الإليتين ، والإيلاج في القبل من جهة الدبر .

فرع

الإتيان في الدبر كالإتيان في القبل في أكثر الأحكام ، كإفساد العبادة ووجوب الغسل من الجانبين ووجوب الكفارة في الصوم والحج وغيرها ، لكن لا يحصل به الإحصان ولا التحليل ، ولا الفيأة في الإيلاء ، ولا يزول حكم التعنين ، وفي هذين الأخيرين وجه ضعيف .

ويثبت به النسب على الأصح ، وإنما يظهر الوجهان فيما إذا أتى السيد أمته في دبرها ، أو كان ذلك في نكاح فاسد . فأما في النكاح الصحيح ، فإمكان الوطء كاف في ثبوت النسب ، ويجب به مهر المثل في النكاح الفاسد قطعا ، ويستقر به المسمى في النكاح الصحيح على المذهب . فإن قلنا : لا يستقر ، فقال الحناطي : لها مهر المثل ، فإن وطئها بعده ، فلها المسمى وترد مهر المثل على الأصح . وفي وجه : لها المسمى ومهر المثل . وإن لم يطأها وطلقها ، فقد وجب لها مهر المثل ، وللزوج عندها المسمى . فإن كانا من جنس ، جرت أقوال التقاص ، وهذا كلام مظلم لا يهتدى إليه .

[ ص: 205 ] قلت : الذي يقتضيه كلام الأصحاب ، إنا إذا قلنا : لا يستقر المسمى ، لا يجب أيضا مهر المثل ، وهذا الذي ذكره الحناطي مظلم كما قال الرافعي ، وعجب قوله : وإذا طلقها قبل الدخول ، له عليها المسمى ، وقد علم أن الطلاق قبل الدخول يشطر المسمى . والله أعلم .

وتثبت به المصاهرة على الأصح ، والعدة على الصحيح ، ولا يشترط نطق المصابة في دبرها إذا استؤذنت في النكاح على الأصح . وإذا وطئ أمته أو زوجته في دبرها ، فلا حد على الصحيح .

قلت : قال أصحابنا :

[ حكم ] الوطء في الدبر كالقبل إلا في سبعة أحكام : التحليل ، والتحصين ، والخروج من الفيأة ، والتعنين ، وتغير إذن البكر . والسادس ، أن الدبر لا يحل بحال ، والقبل يحل في الزوجة والمملوكة . والسابع : إذا جومعت الكبيرة في دبرها ، فاغتسلت ثم خرج مني الرجل من دبرها ، لم يجب غسل ثان ، بخلاف القبل ، فقد يجيء في بعض المسائل وجه ضعيف ، ولكن المعتمد ما ذكرناه . والله أعلم .

المسألة الثانية : العزل : هو أن يجامع ، فإذا قارب الإنزال ، نزع فأنزل خارج الفرج ، والأولى تركه على الإطلاق . وأطلق صاحب المهذب ، كراهته ، ولا يحرم في السرية بلا خلاف ، صيانة للملك ، ولا يحرم في الزوجة على المذهب ، سواء الحرة والأمة بالإذن وغيره .

[ وقيل : يحرم ، وقيل : يحرم بغير إذن ] وقيل : يحرم في الحرة .

[ ص: 206 ] وأما المستولدة ، ففيها خلاف مرتب على المنكوحة الحرة ، وأولى بالجواز لأنها غير راسخة في الفراش ولهذا لا يقسم لها . قال الإمام : وحيث حرمنا ، فذلك إذا نزع بقصد أن يقع الإنزال خارجا تحرزا عن الولد ، فأما إذا عن له أن ينزع لا على هذا القصد ، فيجب القطع بأن لا يحرم .

الثالثة : الاستمناء باليد حرام ، ونقل ابن كج أنه توقف فيه في القديم . والمذهب الجزم بتحريمه ، ويجوز أن يستمني بيد زوجته وجاريته ، كما يستمتع بسائر بدنها ، ذكره المتولي ، ونقله الروياني .

الرابعة : القول في تحريم الوطء في الحيض والنفاس وتحريم سائر الاستمتاعات ، كما سبق في " باب الحيض " . ونقل ابن كج عن أبي عبيد بن حربويه ، أنه يجتنب الحائض في جميع بدنها .

قلت : هذا الوجه غلط فاحش ، يخالف الأحاديث الصحيحة المشهورة كقوله صلى الله عليه وسلم : " اصنعوا كل شيء سوى النكاح " وأنه صلى الله عليه وسلم : " كان يباشر الحائض فوق الإزار " فقد خالف قائله إجماع المسلمين . والله أعلم .

الخامسة : لا بأس أن يطوف على إمائه بغسل واحد ، لكن يستحب أن يخلل بين كل وطئين وضوء أو غسل الفرج ، كما ذكرنا في " كتاب الطهارة " ، ولا يتصور ذلك في الزوجات إلا بإذنهن . وأما حديث " الصحيحين " أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه بغسل واحد ، فمحمول على إذنهن إن قلنا : كان القسم واجبا عليه ، صلى الله عليه وسلم ، وإلا فهن كالإماء .

السادسة : يكره أن يطأ وهناك أمته أو زوجته الأخرى ، وأن يتحدث بما جرى بينه وبين زوجته أو أمته .

[ ص: 207 ] قلت : ويسن ملاعبته الزوجة إيناسا وتلطفا ما لم يترتب عليه مفسدة ، للحديث الصحيح " هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك " . ويستحب ألا يعطلها ، وأن لا يطيل عهدها بالجماع من غير عذر ، وأن لا يترك ذلك عند قدومه من سفره ، لقوله ، صلى الله عليه وسلم ، في الحديث الصحيح " فإذا قدمت فالكيس الكيس " ، أي : ابتغ الولد . والسنة أن يقول عند الجماع : باسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ، للحديث الصحيح فيه ، ولا يكره الجماع مستقبل القبلة ولا مستدبرها ، لا في البنيان ولا في الصحراء ، ويحرم على الزوجة والأمة تحريما غليظا أن تمتنع إذا طلبها للاستمتاع الجائز ، ولا يحرم وطء المرضع والحامل ، ويكره أن تصف المرأة امرأة أخرى لزوجها من غير حاجة للحديث الصحيح ، في النهي عن ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية