صفحة جزء
فصل

[ في جنس المسروق ]

وأما جنس المسروق ، فإن العلماء اتفقوا على أن كل متملك غير ناطق يجوز بيعه وأخذ العوض منه ، فإنه يجب في سرقته القطع ما عدا الأشياء الرطبة المأكولة ، والأشياء التي أصلها مباحة فإنهم اختلفوا في ذلك ، فذهب الجمهور إلى أن القطع في كل متمول يجوز بيعه وأخذ العوض فيه ، وقال أبو حنيفة : لا قطع في الطعام ولا فيما أصله مباح كالصيد والحطب والحشيش .

فعمدة الجمهور عموم الآية الموجبة للقطع وعموم الآثار الواردة في اشتراط النصاب .

وعمدة أبي حنيفة في منعه القطع في الطعام الرطب قوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا قطع في ثمر ولا كثر " ، وذلك أن هذا الحديث روي هكذا مطلقا من غير زيادة . وعمدته أيضا في منع القطع فيما أصله مباح الشبهة التي فيه لكل مالك ، وذلك أنهم اتفقوا على أن من شرط المسروق الذي يجب فيه القطع أن لا يكون للسارق فيه شبهة ملك .

واختلفوا فيما هو شبهة تدرأ الحد مما ليس بشبهة ، وهذا هو أيضا أحد الشروط المشترطة في المسروق هو في ثلاثة مواضع : في جنسه ، وقدره ، وشروطه ، وستأتي هذه المسألة فيما بعد .

واختلفوا من هذا الباب ( أعني : من النظر في جنس المسروق ) في المصحف ، فقال مالك والشافعي : يقطع سارقه ، وقال أبو حنيفة : لا يقطع ، ولعل هذا من أبي حنيفة بناء على أنه لا يجوز بيعه ، أو أن لكل أحد فيه حقا إذ ليس بمال .

واختلفوا من هذا الباب فيمن سرق صغيرا مملوكا أعجميا ممن لا يفقه ولا يعقل الكلام ، فقال الجمهور : يقطع . وأما إن كان كبيرا يفقه فقال مالك : يقطع ، وقال أبو حنيفة : لا يقطع .

واختلفوا في الحر الصغير ، فعند مالك أن سارقه يقطع ، ولا يقطع عند أبي حنيفة ، وهو قول ابن الماجشون من أصحاب مالك .

واتفقوا كما قلنا أن شبهة الملك القوية تدرأ هذا الحد . واختلفوا فيما هو شبهة يدرأ من ذلك مما لا يدرأ منها .

فمنها العبد يسرق مال سيده ، فإن الجمهور من العلماء على أنه لا يقطع ، وقال أبو ثور : يقطع ولم [ ص: 761 ] يشترط شرطا ، وقال أهل الظاهر : يقطع إلا أن يأتمنه سيده .

واشترط مالك في الخادم الذي يجب أن يدرأ عنه الحد أن يكون يلي الخدمة لسيده بنفسه ، والشافعي مرة اشترط هذا ومرة لم يشترطه . وبدرء الحد قال عمر - رضي الله عنه - وابن مسعود ولا مخالف لهما من الصحابة .

ومنها أحد الزوجين يسرق من مال الآخر ، فقال مالك : إذا كان كل واحد ينفرد ببيت فيه متاعه فالقطع على من سرق من مال صاحبه ، وقال الشافعي : الاحتياط أن لا قطع على أحد الزوجين لشبهة الاختلاط وشبهة المال ، وقد روي عنه مثل قول مالك ، واختاره المزني .

ومنها القرابات ، فمذهب مالك فيها أن لا يقطع الأب فيما سرق من مال الابن فقط لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " أنت ومالك لأبيك " ويقطع كل ما سواهم من القرابات ، وقال الشافعي : لا يقطع عمود النسب الأعلى والأسفل ( يعني : الأب والأجداد والأبناء وأبناء الأبناء ) وقال أبو حنيفة : لا يقطع ذو الرحم المحرمة ، وقال أبو ثور : تقطع يد كل من سرق إلا ما خصصه الإجماع .

ومنها اختلافهم فيمن سرق من الغنم أو من بيت المال ، فقال مالك : يقطع ، وقال عبد الملك من أصحابه : لا يقطع . فهذا هو القول في الأشياء التي يجب بها ما يجب في هذه الجناية .

التالي السابق


الخدمات العلمية