الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رعاية المسنِّين في الإسلام

رعاية المسنِّين في الإسلام

تمهيد
لقد حرص الإسلام أشد الحرص على العناية بالفرد داخل المجتمع ، منذ كونه جنيناً فطفلا ، فشابا ً، فرجلا ً، بعد أن أعطاه قيمته الإنسانية فقال تعالى :
( ولقد كرمنا بني آدم ) الإسراء : 70 ، فالإنسان في جميع مراحله محترم ومكرم ، لقيمته الإنسانية الذاتية ، ويزداد ذلك التكريم والاحترام بقدر ما يكتسب من محامد وصفات وبقدر ما يعمل من أعمال البر والخير .
إن الإسلام حفظ للإنسان كرامته ، ووفى بحقه ، فأمر بإكرامه عند شيبته وحث على القيام بشؤونه ، وهو النموذج الذي جسدته ابنتا شعيب عليه السلام اللتان قالتا : ( لا نسقى حتى يُصْدِر الرّعاء وأبونا شيخ كبير ) (القصص: 23) .
ولما كان حال الكبر هو مظنة الإهمال والضجر والغضب خصه سبحانه بالذكر وبمزيد من العناية من بين سائر الحالات التي يمر بها الإنسان في حياته ، قال سبحانه (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما : أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً. واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربِ ارحمهما كما ربياني صغيراً). (الإسراء: 23 - 24) .
وكذلك كانت الشيخوخة محل عناية ووصاية من النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: [ رغم أنفُ ثم رغم أنف ُ، ثم رغم أنفُ ] ، قيل: من يا رسول الله؟ قال: [من أدرك أبويه عند الكبر - أحدهما أو كليهما - فلم يدخل الجنة ] . وقال لرجل استأذنه في الجهاد: [ أحَيٌّ والداك ] فقال: نعم، قال: [ ففيهما فجاهد ] .
والأمر لا يقف عند الوالدين إذا بلغا سن الشيخوخة بل يتعدى ذلك إلى كل كبير مُسّن ، فيوجب له الاحترام ويجعل ذلك من الإسلام ، يقول صلى الله عليه وسلم: [ ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقَّر كبيرنا، ويأمر بالمعروف ، وينْهَ عن المنكر ] (رواه الترمذي وأحمد) .
كما يوجب له الرعاية الاجتماعية والخلقية ، يقول صلى الله عليه وسلم:
[ إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ] (رواه أبو داود) .
ويعد الشاب البار الذي استجاب لأمر ربه يعده بالجزاء الأوفى فيقول صلى الله عليه وسلم: [ ما أكرم شاب شيخاً لسنه - أي في شيخوخته - إلا قيض الله له من يكرمه عند سنّه ] (رواه الترمذي) .
وهذا كله يندرج تحت الأصل العام الذي قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[ من لا يرحم لا يُرحم ] (رواه البخاري) .
ومن سماحة الإسلام : أنه راعى حق المسن في العبادات أيضا ، وأمر من يؤم الناس أن يراعي حال المسنين . قال صلى الله عليه وسلم : [ إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء ] (رواه أبو داود) .
رفع الحرج والتيسير على المسنين :
إن من مقاصد الشريعة الإسلامية التيسير ورفع الحرج ، لذلك شُرع قصر الصلاة والجمع بين الصلاتين للمسافر ، وغير ذلك .
وجعل الإسلام للمرضى المسنين وغيرهم تشريعات خاصة بهم ، وحطّ عنهم الإثم في ترك ما لا يقدرون عليه ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) (البقرة:286) .
من تلك التشريعات : إباحة الفطر في رمضان للمسن ، والمريض الذي لا يقوى على الصوم ، وإذا صام أضر ذلك بصحته قال سبحانه: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) (البقرة: 184) . قال بعض العلماء : أي وعلى الذين لا يطيقونه فدية . والفدية تكون إطعام مسكين عن كل يوم يفطر فيه من رمضان .
قال ابن عباس : لا يُرخص في هذا إلا للذي لا يطيق الصيام أو مريض لا يُشفى. (رواه النسائي) .
ورخص الإسلام للمسن المريض التخلف عن صلاة الجماعة ، قال صلى الله عليه وسلم : [ من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر ] - قالوا: وما العذر؟ قال : [ خوف أو مرض - لم تُقبل - منه الصلاة التي صلى ] (رواه أبو داود) .
بل رخّص للمريض - والمسن غالباً ما يصيبه المرض - أن يصلي بالكيفية التي يستطيعها - إن تعذر عليه أو شق القيام ، وأداء الصلاة بالشكل الطبيعي - فإن لم يستطع أن يصلي قائماً قعد فإن لم يستطع قاعداً فعلى جنبه ، قال صلى الله عليه وسلم لمريض به بواسير: [صلِّ قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً . فإن لم تستطع فعلى جنب] (رواه البخاري) .
وإنما شرع الإسلام الحج وأوجبه على المستطيع ، فإن بلغت بالرجل السن فشاخ وهَرِم فلم يستطع الحج لم يجب عليه الحج ، لكنه مقصر لأنه أخره إلى وقت لا يستطيعه فيه ، ما لم يكن أخَّره لعذر ، وحين زال العذر بلغ الهرم وخارت قواه ولم يملك مالاً ليُنيب عنه غيره فعندها فقط يسقط عنه الحج .
توصيات ومقترحات للمسنين :
إن الأسرة - بأصولها وفروعها - هي عماد المجتمع ، والركيزة الأولى من ركائز بنائه . ومن سنن الله أن الصغير يكبر ، والكبير يهرم ، وهكذا تدور الحياة دورتها. لكن مع هذه التبدلات تبقى القيمة الإنسانية ثابتة لا تتغير ، لذلك أوصى الإسلام باحترام الإنسان - كقيمة - في كل أحواله وبالغ في التأكيد عليها في مرحلة الشيخوخة لذلك نجد من الواجب أن نقترح بعض التوصيات للعناية بالشيخوخة.
1. فنؤكد على دور الإعلام في التوعية والحث على رعاية المسنين.
2. كما نؤكد على دور علماء الدين والاجتماع في غرس فكرة "وجوب رعاية المسنين" وتنمية الوازع الذاتي الإنساني والديني تجاههم وعواقب إهمالهم أو إيداعهم في دور المسنين
3. ونقترح إيجاد برنامج تربوي للناشئة ، يقوم ببث الوعي الديني والاجتماعي للعناية بالمسنين وتقديم المعونة لهم.
4. كما أن على الجهات المعنية إيجاد وسائل وضمانات تكفل للمسنين حقوقهم كاملة - المادية والمعنوية - وتقوم برعاية مصالحهم.
5. الانتباه إلى اتجاه النظم الاجتماعية نحو تفكيك الأسرة بشكل تقليدي ، واستحداث أنماط جديدة ، لا يكون فيها أبوة أو نبوة ، أو عمومة ، أو أرحام وأن هذا من الإفساد في الأرض.
نحو شيخوخة سعيدة :
إن اقتناع المرء بأن كل صغير سيكبر ، وكل كبير سيهرم ، وأنه بالكيل الذي تكيل يُكال لك وبالدين الذي تدين تُدان وأن (ما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله). (البقرة: 110) وأنه [ ما أكرم شاب شيخاً لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند سنه ] كما قال صلى الله عليه وسلم (رواه الترمذي) كل ذلك من شأنه أن ينمي عنده الحافز والدافع لرعاية واحترام المسنين والقيام على شؤونهم ، وعندها سيضمن شيخوخة سعيدة لنفسه حيث إن الله وعده بأن يُقيض له من يكرمه عند شيخوخته . إن الله لا يخلف الميعاد.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة

لا يوجد مواد ذات صلة