الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من وحي التربية النبوية للأطفال

من وحي التربية النبوية للأطفال

من وحي التربية النبوية للأطفال إذا كـانـت مـعـظـم الحضارات السالفة التي ازدهرت قبل ظهور الإسلام ، قد عرفت ألواناً مـتـعـددة من التربية طبعت حياتها بطابع يعكس فلسفة كل أمة من تلك الأمم.. فإن الأمة الإسـلامـيــة قــد انفـردت عن غيرها من الأمم بنظام تربوي متميز قادر على تكوين أجيال مـسـلـمـة مـتوازنة ، قادرة على تحمل المسئولية الكاملة في تحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.
ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المربي الأول الذي قام بهذه المهمة التربوية فرسم نماذج تـربـويــة للـطـفـولة لم يسبق لها مثيل في عالم الرعاية
بالأطفال ، حيث كان يـشــرف بنفسه وبأسلوبه الفريد في تنشئة تلك البراعم التي لم تتفتح ، والأغصان التي لم يشتد عودها بعد.
ولم تكن هذه التربية النبوية قاصرة على مـن يعيش في كنف النبي الكريم -صلي الله عليه وسلم- ، أو من يعيش تحت سقف بيته ، بـل كـان ذلك مبدءاً تربوياً ينتهجه لأمته عامة ، ويرسخه لكل الأجيال من بعده ليقتفوا أثره ويـسـيـروا على منهجه التربوي عملاً بقوله تعالى : ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ والْيَوْمَ الآخِرَ)) [الأحزاب:21].
ولو تتبعنا مراحل المنهج التربوي النبوي في عالم الطفولة لرأينا أن مرحلة التربية تبدأ منذ أن يكون الطفل سراً في عالم الغيب ، وذلك ليضمن الأصـل الـصـالـح ، والـمنبت الطيب ، والمحضن الأمين ، فدعا الزوج لاختيار الزوجة الصالحة التي ستكون مصدر عـزة الطـفـل ومربيته على الفضائل.
فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( تخيروا لنطفكم ، فأنكحوا الأكفاء وانكحوا إلـيـهـم ) وقـال -عليه السلام- : ( تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظـفـر بـذات الـديـن تربـت يـداك) متفق عليه.
كما دعا -عليه الصلاة والسلام- المرأة وبنفس القوة إلى إيثار الزوج الصالح الذي سـيـكـون أبـاً لأطفالها وقدوتهم ومصدر عزتهم ، فقال تعالى:((ولَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ ولَوْ أَعْجَبَكُمْ)) [البقرة:221]. كما قال -صلى الله عليه وسلم-: " إذا جـاءكـم من ترضون دينه وخلقه فأنكحـوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفـســاد ، قـالـوا: يا رسول الله وإن كان فيه؟؟ قال: إذا جـاءكـم من ترضون دينه وخلقه فـانـكـحـوه .. ثلاث مرات " أخرجه الترمذي، وما أن يتم عقد الزوجية حتى يتمثل الزوجان قول الله عز وجل: ((رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ واجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَاماً)) [الفرقان:74].
وقبل المباشرة يردد الزوج ما أرشده إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- :" بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا " متفق عليه.
وهـذا مـن بــاب الأخــذ بأسباب التربية الصالحة التي تبعث في الزوجين الطمأنينة على مستقبل أطفال أصحاء روحياً وجسدياً.
وما إن تستقر النطفة في رحم المرأة ، وتبدأ مرحلة تكوين الجنين في بطن أمه حتى يوصي الإسلام بالعناية بالحامل عناية كبيرة من أجل سلامتها وسلامة جنينها ، فيأمرها بالأخذ بالأسباب العلاجية ، والوقائية ، والنفسـيــة ، والروحية ، لدرجة أنه يعفيها من فريضة الصيام أثناء الحمل إذا خافت على نفسها أو ولدها من الضرر ، كما أنه يحثها على قراءة القرآن ، والدعاء المستمر ، فقد أثبتت التجارب العلمية والعملية أن المرأة المتزنة، والمطمئنة نفسياً ، يتصف وليدها بطبيعة هادئة ومتزنة على عكس المرأة المضطربة نفسياً والتي تمارس العادات السيئة.
وبـعـد الـولادة حـيث يستقبل الطفل بالفرح والبشارات ومع بداية هذه المرحلة الهامة من حـيـاة الـطـفـل الذي يكون فيها جاهزاً لكل ما يعرض عليه من مكارم الأخلاق ، ومحاسن الـصـفـات ، سنَّ لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نبدأ هذه المرحلة بغرس جذور الـعـقـيدة وكلمة التوحيد والشهادة من خلال الأذان في أذن المولود اليمنى. فقد أذن النبي الكريم في أذن الحسين بن علي ، فعن عبيد الله بن أبي رافع قال : " رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- أذن في أذن الحسين حين ولدته فاطمة " أخرجه أحمد والترمذي .
وحين يبلغ الطفل يوم سابعه يوصي الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتكريمه والاحتفاء به حين يقول : " مع الغلام عقيقته ، فأهريقوا عنه دماً ، وأميطوا عنه الأذى " أخرجه البخاري .
فـيـأكـل الفـقـير والأقارب من هذا الاحتفال بقدوم المولود ، ويحلق شعره ليماط الأذى عن رأسه ، ويـتـصـدق بوزنه من الفضة على الفقراء ، والمساكين ، والمحتاجين ، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- لابنته فاطمة - رضي الله عنها - حـيـن ولـدت الحسين : " احلقي رأسه فتصدقي بوزنه من الورق على المساكين " أخرجه أحمد.
وفي هذا اليوم أيضاً ندب -عليه الصلاة والسلام- تسمية الطفل واختيار الاسم الحسن له حيث قال -عليه أفـضـل الصلاة والسلام- : " أحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله ، وعبد الــرحــمـن " أخرجه مسلم ، فـكـانت هـذه أيضاً مكرمة للطفل تساعده على الابتهاج حين يدعى باسم حسن، وتجنبه الاعتزال والخجل فيما لو أسماه اسماً قبيحاً.
ومن أجل ذلك حرص - عـلـيه الـسلام - على إبدال الأسماء القبيحة بأسماء حسنة ، كما بين لنا أحب الأسماء وأصدقها ، وأقبحها.
وهكذا تتدرج العناية بالطفل والاهتمام به ، وتربيته بكل أنواع التربية الشاملة من خلال توجيهات نبوية كريمة في كل مرحلة من مراحل نمو الطفل نفسياً ، وجسدياً ، - بدءاً من التربية العقدية السليمة ، ومروراً بالتربية الاجتماعية والخلقية ، والعاطفية.
ولكن المهم الذي لا بد من ذكره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان نموذجاً فريداً للأبوة الكريمة في حـيــــاة البشرية. يفرح بقدوم الأطفال ، ويشارك في اختيار أسمائهم ، ويحنو عليهم فيمازحهم، ويلاعبهم، ويضمهم إلى صدره الكريم ، ويقبلهم بفمه ، فإن هذا يعطيهم الجو النفسي للحياة الإنسانية السوية ، رحمة ، وحباً ، وإخاء .
وبـذلـك كـــان من ثمار هذه التربية الفذة أن أنشأت جيلاً مثالياً حقاً في إيمانه، وعبادته، وتفكيره ، وأخلاقه ، ومعاملته.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة