الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الغيرة عند الأطفال

الغيرة عند الأطفال

الغيرة عند الأطفال

الطفولة هي اللبنة الأولى في بناء شخصياتنا، وهي اللبنة القوية التي تبنى عليها بقية المراحل من حياة كل فرد بالمجتمع بشكل سليم وصحي لينتج لدينا شخصيات متوازنة ومثالية بالمستقبل تستطيع مواجهة المشكلات والعيش باستقرار وتوازن، وأطفالنا اليوم يعانون من مشاعر مختلفة ومركبة، قد لا يلحظ الوالدان وجودها لانشغالهم بالحياة وتدبر العيش وغيرها من الأمور، وبسبب تغير وتيرة الحياة اليومية وسرعتها، والكثير يجهل أو يتناسى بأن الطفولة هي الحجر الأساس والمكون الرئيسي لشخصية الطفل بمختلف الجوانب: النفسية، العاطفية، الجسدية، الانفعالية والاجتماعية والتي تبدأ من الأسرة وتكبر لتصل إلى الجيران والأصدقاء ثم المدرسة والحياة الجامعية وصولا لميدان العمل ثم تتوسع كثيرا لتضم المجتمع.

وكل جانب من الجوانب النفسية ينمو ويتطور وفق البيئة والظروف المتاحة، ولو تحدثنا عن الجانب الانفعالي بشكل خاص في مقالنا وتأثيره الكبير على شخصية الطفل سنجد بأنه مجموعة من الانفعالات والمشاعر المتداخلة والمتصارعة والتي تحتاج إلى تعامل صحيح لحلها، وأول انفعال يواجه معظم الأطفال هو الغيرة، وهي ليست انفعالا بسيطا بل مزيج متنوع من الانفعالات السلبية صراع بين مشاعر الحب والعدوان بنفس الطفل، وسوف نتطرق لانفعال الغيرة من عدة جوانب رئيسية
أولها مفهوم الغيرة وتعريفها:

تعريف الغيرة لغة: غيرة مصدر غار، وتعلق شديد بشخص الحبيب وقلق دائم خشية ميله لشخص آخر قد يشاركه في حبه.

الغيرة اصطلاحا: هي حالة انفعالية أو اضطراب انفعالي معقد ناتج من عدة مشاعر متداخلة كالخوف وحب التملك وعدم الرضا والغضب والحب يصحبها تغيرات فسيولوجية داخلية وخارجية يعانيها الطفل عند فقدان أمور اعتاد عليها أو عند دخول منافس جديد له.

الغيرة في علم النفس: مشاعر فطرية معقدة ومركبة في نفس الإنسان، يصعب السيطرة عليها والتحكم فيها، وتطورها يؤدي إلى اضطرابات نفسية تحرمه السلام الداخلي.

والطفل عادة يرفض الإفصاح عن مشاعر الغيرة وتوضيحها، ويقوم بكبتها، وعدم تعامل الأبوين معها بشكل إيجابي يحولها إلى سلوكيات غريبة وغير مرغوبة: كالغضب والتخريب وإثارة المشكلات والعصيان والكذب، وأحيانا يتطور الأمر ليصل إلى التبول اللاإرادي وقضم الأظافر والشفاه أو التظاهر بالمرض والإعياء.

ولعل تربيتنا لأبنائنا وطريقة توجيهنا لهم بالمواقف المختلفة هي الشرارة التي تشعل الغيرة بنفوسهم، بسبب أخطاء تربوية لا يلتفت الآباء لها، فهم من يشعل نار التنافس بين الأطفال بالأسرة الواحدة نتيجة أخطاء تربوية يمكن تجنبها بقليل من الثقافة بمنهاج التربية البسيطة وليست المعقدة.

وتظهر مشاعر الغيرة لدى الطفل حينما يعاني من الحرمان أو يفقد أمور اعتاد عليها، أو حينما يقارن نفسه بما يراه عند الآخرين من أقرانه بالمدرسة أو الأسرة.
أسباب الغيرة المنتشرة لدى الأطفال:
1- مقارنة الطفل بأقرانه:

الكثير من الأسر تعمد أحيانا إلى مقارنة الطفل بغيره من خلال المدح لتصرفات الآخر أمام الطفل أو ذكر مآثره كالتفوق العلمي أو النظام أو النشاط وغيرها من الأمور، وتكبير تلك المميزات وتجاهل مميزات طفلهم لرغبتهم بأن يكون طفلهم نموذجا للطفل الذي أمامهم، ظنا بأنها وسيلة لتحفيزه ودفعه للنجاح ويتناسون بأن لكل طفل قدرات معينة ومستوى ذكاء معين، وبعض الأطفال يتميزون بمهارات وإمكانيات تختلف عن أقرانهم، وتلك المقارنة خطأ تربوي فادح تقع به العديد من الأسر، ونرى لدى البعض تميز الذكور على الإناث وفق ثقافاتهم ومواريثهم الشعبية.

وتلك المقارنات تأخذ منحى سلبيا وتدفع الطفل للتصرف بشكل عدواني وغير صحي لأنها تشعره بالدونية، فيتولد لدى الطفل شعور بأن تصرفاته لا ترقى لإعجاب الأسرة ويشعر بالفشل، وفي اللاشعور يبدأ بكره الطفل الذي تم مقارنته به ويسعى لتجنبه أو الاعتداء عليه أحيانا، فالنمو السليم والصحي يتطلب من الآباء تجنب تلك المقارنات السلبية وتحويلها إلى مقارنات إيجابية كذكر مميزات الطفل وتشبيهه بشخصية عامة مفيد يستطيع الطفل الاقتداء بها، أو مقارنة الطفل بنفسه فنذكر له علاماته بالعام الماضي ومقارنتها بنتائجه لهذا العام، بتلك الطرق نحول مشاعر الغيرة من السلبية إلى الإيجابية، وعلى الوالدين الابتعاد عن التعنيف واستخدام العقوبات الضارة أو الضرب، لخلق شخصيات ناضجة وسليمة مستقبلا وللحد من مشاعر الغضب أو العدوان ولتجنب المشكلات التي تنشأ عنها كالتخريب أو الانطواء وأحيانا الكبت يدفع الطفل للتبول اللاإرادي أو لعض الشفاه أو الأظافر لتفريغ مشاعر الحزن المكبوتة.

2- ولادة طفل جديد:
ولادة مولود جديد بالمنزل أمر طبيعي لإثارة غيرة الطفل السابق، فالطفل يشعر بأنه فقد جميع المميزات التي كان يمتلكها، وكل الاهتمام الذي كان يعيشه، وكأن البساط سحب من تحت قدميه وذهب للمولود الجديد، وهذا التغيير الذي حصل يدفع الطفل إلى إظهار سلوك عدواني للمولود الجديد لأنه يشعر بأنه سرق كل شيء منه، أو يبدأ بالتظاهر بالمرض للفت انتباه الوالدين، وأحيانا ينطوي الطفل ويشعر بالحزن والاكتئاب لأنه فقد الأمان، فيجب على الأبوين تجنب اللعب وتدليل الطفل الصغير أمام الطفل الأكبر، وعدم تجاهل احتجاجات الطفل السابق والاستمرار باللعب معه ومداعبته وتفقد أموره كلها، ويجب تهيئة الطفل قبل الولادة بالحديث معه وأنه سيحصل على أخ أو أخت للعب معه وسيكون مقربا منه أو منها، وربط حدث قدوم المولود بشيء يسعده كإحضار لعبة أو أخذه بنزهة خاصة وما إلى ذلك، مشاركة الطفل الأكبر في تجهيز غرفة الرضيع وإحضار الطفل لزيارة المولود بالمستشفى وطلب مساعدته في بعض الأمور برغبته دون إرغام كطلب إحضار الغيارات أو رضاعة الحليب، ويجب ذكر مآثر الطفل الأكبر ومدحه، ومكافأته على تصرفاته الإيجابية مع المولود فهذا سيولد لديه مشاعر الحب ويقلل صراع الحب والعدوان بنفسه ويبدأ بتقبل الأمر، ولتقبل الأمر يجب تشجيع الطفل على إظهار انفعالاته والتعامل معها بشكل صحيح ومتوازن للتغلب عليها، مع تجنب التحيز لطفل دون الآخر حتى لا تتشوه صورته أمام أحد الأطفال فتثير لديه مشاعر الغضب والغيرة والتي قد تكبر معه وتتطور وتتحول إلى عقدة نفسية يحملها معه.

3- تدليل الطفل:
فالطفل المدلل يرى بأنه محور الكون ويرفض أي جديد، كولادة طفل آخر، أو تميز زميله بالمدرسة، فهو لا يريد لأحد أن يكون أفضل منه، فوجود طفل أقوى منه أو زميل متفوق أو مولد جديد يشعره بالغضب ويدفعه للتخريب وأحيانا للعزلة والانطواء، وتتطور مشاعر الغيرة عند الطفل المدلل وتكبر معه إن لم يتم معالجتها وتداركها، فالطفل المدلل يتميز بالأنانية وحب التملك ولا يترك مساحة للآخرين، ولا يمكنه رؤية الآخرين من حوله، وعلى الوالدين تعليمه بأن له حقوقا وعليه واجبات، وتشجيع شراء الألعاب الجماعية ليلعب بها مع زملاء المدرسة وليس الألعاب الفردية فقط، وتذكيره بأن ما يأخذه له ولزملائه أو إخوته حتى تقل روح الأنانية وحب التملك ونخفف سلوكه العدواني تدريجيا، ونلاحظ بأن الطفل الوحيد تنشأ لديه نزعة التملك والأنانية أكثر من الطفل الذي ينشأ وسط إخوته في جو سليم وصحي، وكذلك الذكر الذي يولد مع عدة إناث أو العكس، فللأسرة وخلفيتها الثقافية والتربوية دور كبير لتقليل هذه المشكلة وتجنبها، ولها دور فاعل في بناء الطفل عاطفيا وانفعاليا بشكل متوازن وتحويل غيرته إلى غيرة إيجابية تعوده للتنافس الشريف وليس للتخريب والسلوك العدواني أو الانطواء.

وربما نجد العديد من الأسباب الأخرى والمختلفة لظاهرة الغيرة وانتشارها عند الأطفال، ولكننا تحدثنا عن أشهر الأسباب وأكثرها انتشارا من وجهة نظري ومن خلال مراقبتي لها داخل حدود الأسرة والتحدث مع مجموعة من التربويين والاستفادة من خبراتهم بهذا المجال ومحاولة اختصاره وتبسيطه للقارئ الكريم.

وأخيرا فإن وعي الأسر وفهمها لمشاعر الغيرة لدى أولادهم ومعرفة الأسباب التي تثيرها سواء بالسلوكيات أو الكلام وتجنب التصرفات والمواقف التي تثيرها لتقليل تلك المشاعر السلبية بنفس الطفل، لأنه يحتاج إلى الشعور بالأمان والاستقرار العاطفي والنفسي بشكل مستمر وفي كل مراحل النمو من خلال الحب والبيئة السليمة التي يعيش بها وتكون ملاذه الدائم لدعمه للتغلب على مشكلاته والتي تزيد من فرص النجاح وتنمي قدرته على بناء شخصية قوية قادرة على الانخراط بالمجتمع ومواجهة تحدياته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر- كوستي بندلي، الغيرة الأخوية وتفهم الوالدين –سلسلة نحن وأولادنا-، لبنان.

- د: سناء محمد سليمان، الغيرة والعداء والأنانية، المملكة العربية السعودية.

- معجم المعاني الجامع.

- مقالات الغيرة من مدونة صحتك (دليلك لحياة صحية) –مدونة الكرونية-.

- نسخة الكترونية لكتاب السلوك العدواني –الغيرة العناد بين الأبناء وأفراد الأسرة-، للمؤلفة د:ألفت الشافعي، نسخة الكترونية. pdf

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة