الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أثر العلاقة مع الوالدين على الصحة النفسية المستقبلية

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعتقد أن مشكلتي نفسية بالدرجة الأولى، وهي أني أعاني من الانطوائية منذ صغري، كان والدي دوماً يتهمني بالغباء وقلة الحيلة، وأني لا أتحمل المسئولية، مع أنني كنت وبدون مبالغة أحصل على أعلى الدرجات على مستوى المدرسة، ومنذ كنت في الثانية عشر أحاول قدر المستطاع التخلص من نقد والدي المستمر لي، وذلك بالقيام بأمور عديدة، منها الاهتمام بصيانة المنزل من سباكة وكهرباء، والذهاب إلى البنوك وإصدار الشيكات المصرفية، والقيام بالحوالات البنكية إلى دول العمال الذين يعملون لدى والدي، وأقوم بشراء مستلزمات المنزل لوحدي، إلا أن نقده المستمر سبب لي عقدا نفسية، جعلتني أشعر بأنني لا أصلح لشيء.

وطلاق والدتي عندما كنت في الخامسة عشرة أثر في كثيراً، ولا أنسى ذلك اليوم الذي ذهبت فيه لأزور والدتي فإذا هي تطردني، وتقول إنها لا تريد رؤيتي طالما عاشت، وازدادت معاملة أبي لي سوءاً ونقده لي أيضاً.

تدهورت درجاتي بعد طلاق والدتي، وتخرجت بنسبة ضئيلة، وعندما التحقت بالعمل بنفس الشركة التي يعمل بها والدي فوجئت بطلب نقلي إلى منطقة بعيدة جداً عن أهلي، وعندما تحدثت إلى والدي عن إمكانية نقلي إلى المنطقة التي يعمل بها وعدني بأن يتكفل بالأمر؛ كونه من كبار إداريي الشركة، واستمريت أنتظر إلى أن جاء طلب النقل، وإذ بي أنتقل إلى منطقة أبعد، وعندما كلمت والدي قال لي: إنه سوف يحاول، وبعد مدة اكتشفت أنه كان هو وراء نقلي إلى منطقة أبعد مما أثر في كثيراً.

ومع الوقت انقطعت اتصالاتهم، فلا يتصل بي ولا يزورني أحد، وكأنهم أرسلوني إلى المنفى، فتولد لدي شعور بأني لا أستحق أن يحبني أحد، مع أنني -دوما وأبدا- أتبع مقولة "عامل الناس كما تحب أن يعاملوك به"، لكن لا حياة لمن تنادي.

تزوجت وكلما حصلت مشكلة مع زوجتي ينتابني خوف شديد جداً من العودة إلى وضعي السابق، وأحياناً يترجم الخوف بتحطيم كل ما يطال تحت يدي من أثاث المنزل أو الأجهزة الموجودة، حتى أنني يوماً سحبت أحد المكيفات من مكانه، وأوقعته على الأرض.

أعيش منطويا على نفسي، أفتقد الثقة بالنفس، لا أخالط أحدا، ولا أتحدث إلا مع المقربين جداً مني، يصيبني التلعثم، وتنهمر الدموع عندما أصاب بتوتر ولو بسيط أثناء الحديث مع غير المقربين.

سلكت طريق الالتزام، إلا أن انتقاد والدي الشديد لالتزامي وتشكيكه في مدى التزامي وكوني اكتشفت مؤخراً أنني عقيم دفعني إلى ترك هذا الطريق، أصبحت أشكك في العقيدة ونصوص الأحاديث.

لدي قدرة كبيرة وسريعة في التعلم، إلا أنني لا أطبق ما تعلمته خوفاً من الفشل، وخوفا من ردود الفعل السلبية، أصبحت غير مبال بالعمل، أقضي وقتي بالتصفح في الإنترنت أو لعب الورق قبل أن أخرج مبكراً من العمل.

في السنوات الأخيرة بدأت أتصور في مخيلتي كيف أكون لو كنت شخصاً آخر، أمضي ساعات طويلة في أحلام اليقظة، أتخيل نفسي جميل المظهر، مليئا بالثقة، لبقا في الكلام، وذا قدرات خارقة، لا أشعر بالسعادة أو راحة البال إلا إذا عشت مع نفسي في تلك الأحلام.

أرجو أن أجد حلاً عندكم، فأنا غير راض عن نفسي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ بدر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

لا شك أن العلاقة مع الوالدين في مرحلة الطفولة والتنشئة بصفةٍ عامة تُعتبر عاملاً أساسياً في الصحة النفسية المستقبلية، فإن كانت هذه العلاقة علاقة قائمة على الهدوء والتوجيه والاحترام والمحبة، فسوف تجعل من الطفل قويّاً وواثقاً بنفسه، وبعيداً عن المشاكل بدرجة كبيرة.

نحن كمعالجين نأخذ الطريق المهني، والذي يقتضي الحيادية، فأنت لديك صعوبات واضحة مع والدك كما ذكرت في رسالتك، ولكن الذي تعجبت له أن والدتك بعد أن طلقت وذهبت لها ردّتك ولا تود أي صلة معك، فهذا أزعجني قليلاً، فهل المشكلة والصعوبات مع الوالد فقط، أم أنك أنت ساهمت في بناء وتطور هذه الصعوبات ولو بدرجة بسيطة؟ على العموم أياً كانت نوعية هذه العلاقة ودرجة مساهمتك فيها إيجاباً أو سلباً، فالشيء الضروري جدّاً هو أن التجارب السابقة مهما كانت سلبية يجب أن يتخذها الإنسان أداة للتطوير المستقبلي، ويجب ألا يعتبرها آلية للحسرة والندم، وأن يجعل كل فشل في حياته المستقبلية نتيجة لتلك التجارب السلبية، هذه أمر مهم جدّاً.
إذن، الماضي يمكن أن نستفيد منه ومن تجاربه، بأن جعلنا نصحح الحاضر ونعيشه بقوة وواقعية؛ لأن ذلك يجعلنا نعيش المستقبل بأمل.

لا شك أنك تُعاني من صعوبات نفسية، فأنت ذكرت أنك أصبحت تشك في العقيدة ونصوص الأحاديث، وأنك تعيش الكثير من الأحلام أو أحلام اليقظة، كما أنك عصبي المزاج وقليل التحمل، للدرجة التي جعلتك تقوم بتحطيم بعض أثاث المنزل.

السبل العلاجية الرئيسية هي:

أولاً: يجب أن تقبل نفسك وتقبل ذاتك، وتحاول أن تطور نفسك، وذلك بالتركيز على الإيجابيات، ومحاولة بنائها، وتجنب السلبيات بقدر المستطاع.

ثانياً: لابد أن تعبر عما بداخل نفسك بصورةٍ مستمرة، أي لا تميل للكتمان؛ خاصة الأشياء البسيطة التي لا تكون راضياً عنها؛ لأن ذلك -أي هذا التعبير- يؤدي إلى ما يُعرف بالتفريغ النفسي، والتفريغ النفسي يقلل ويزيل الاحتقان ومن ثم يصبح الشخص أقل انفعالاً.

ثالثاً: بما أنك اكتشفت أنك عقيم، فهذا أمر يجب أن تقبله (( وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا ))[الشورى:50] ونسأل الله أن يعوضك خيراً مما أخذ منك، ولكن لا مانع أبداً أن تبحث في الوسائل العلمية المشروعة، والتي ربما تجد من خلالها نوعاً من العلاج.

رابعاً: سوف تستفيد كثيراً من الأدوية النفسية، خاصة الأدوية المضادة للقلق والتوتر والوساوس، وهنالك عقار يعرف باسم زولفت، أرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة حبة واحدة 50 مليجرام ليلاً لمدة شهر، ثم ارفع هذه الجرعة إلى حبتين في اليوم، أي 100 مليجرام، واستمر على ذلك لمدة ستة أشهر، ثم خفضها إلى حبة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك إلى حبة يوم بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عنها.

وهنالك نصيحة خامسة وهي: أن تكون فعالاً، وأن تزيد من تواصلك الاجتماعي، وأن تعامل زوجتك بالحسنى، وأن تحاول بقدر المستطاع أن تتقرب لوالدك ووالدتك مهما كانت هنالك معاملة صعبة أو غير لائقة من جانب الوالد، فهو والدك، ولا شك أن بر الوالدين أمرٌ مطلوب، ومن سبل الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.

وبالله التوفيق.



مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً