الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لدي وساوس كثيرة في مسائل القضاء والقدر، فكيف أتخلص منها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعاني منذ فترة من وساوس وشكوك في الدين لا تختفي، وأحيانًا أفكر وأقول: "أستغفر الله"، لكن هذه الأفكار تجعلني أخشى أن أفقد إيماني، خاصة في أمور دينية، أشعر أحيانًا أني صدقت وأبحث كثيرًا وأقتنع لفترة قصيرة، ثم تعود الأسئلة الكثيرة حول "لماذا يفعل الله كذا؟"، وتسبب لي ضيقًا شديدًا.

أصبحت أشعر بعدم الراحة وخوف من الفشل، رغم أني أبذل جهدًا كبيرًا، لكن لا أحصل على النتائج التي أتمناها، وأرى أشخاصًا أقل جهدًا مني يحققون نتائج أفضل، وهذا يزيد من قلقي.

لدي وسواس أيضًا بأنني ربما مصابة بمس أو شيء مشابه، وعندما أقرأ القرآن أخاف أن تتسلل لي أفكار عن الحكمة من أفعال الله، وهذا يزعجني كثيرًا، أحد الأسئلة التي تؤرقني هو: هل جهد الإنسان يؤثر فعلاً في النتائج؟ لأنني أجد نفسي أفكر أحيانًا أن الاجتهاد والتعب قد لا يؤديا للنتيجة، وهذا يجعلني أفقد الطموح، وأظن أن ما كتبه الله سيكون، بغض النظر عن مجهودين وأتساءل: هل الجهد والتفوق نابع من الشخص نفسه، أم مقدر من الله؟

سؤال آخر يؤرقني: عندما يكتب الله في اللوح المحفوظ، هل يكتب لنا طريقًا واحدًا أم أكثر؟ وهل هو يعلم مسبقًا إن كنا سنجتهد أم لا؟ وهل الجهد يغير بالفعل المصير؟

أخاف من الابتلاء؛ لأنني أعتقد أنه عند الاجتهاد قد نخسر كل شيء بسبب الابتلاء، وهذا يجعلني مترددة في اتخاذ أي خطوة.

فكرة: "لماذا يفعل الله كذا؟" و(ما الحكمة من ذلك؟) لا تفارق ذهني أبداً، وأشعر بثقل في القلب بسببها، وأيضًا أتساءل، إذا كان الله يقسم الرزق بحكمته، فلماذا يوجد فقراء حتى في الدول الأوروبية، التي يعيش أغلب أهلها بعيدًا عن الإيمان بالله؟ وهل الذين يتصدقون لهؤلاء الفقراء سيحاسبون ويدخلون النار؟

أعتذر؛ لأنني طرحت الكثير من الأسئلة المختلفة، وشكرًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ملك حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.
نسأل الله تعالى أن يوفّقك للخير، وأن يصرف عنك كل شرٍّ ومكروه.

كل ما ورد في سؤالك -ابنتنا الكريمة- ما هو إلَّا استجابة وتفاعل مع أفكار وسواسية لا ينبغي لك أن تستسلمي لها، ولا أن تستجيبي للتفكر في أسئلتها والعمل بمقتضاها، فهذا النوع من الأفكار ضارّ غير نافع، وهو أيضًا وهمٌ لا حقيقة له.

فالخير كل الخير في أن تصرفي ذهنك وفكرك نحو الشيء النافع لك في دينك أو في دنياك، وهذه هي وصية الرسول ﷺ ونصيحته؛ فقد قال ﷺ: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز".

فالتفكر في الغيب، وحقيقة هذه المغيبات وكيف هي، تفكُّر غير نافع، بل يضر الإنسان ويُتعبه ويضنيه في غير فائدة، وكذلك التفكر في القدر المكتوب في اللوح المحفوظ، هو تفكر ضارّ غير نافع؛ لأنه لا يعود على الإنسان بفائدة عملية.

فنحن نؤمن بأن الله -سبحانه وتعالى- قد كتب كل شيء عنده قبل أن يخلق السماوات والأرض، ولكنه كتبه سبحانه وتعالى لأنه يعلم ما الذي سيكون في المستقبل، وهو يعلم ما الذي سنختاره نحن وما الذي سنفعله، وهذه الكتابة لا تعني الإلزام والإجبار، بل هي كتابة لما يعلمه الله سبحانه وتعالى من أحوالنا واختياراتنا، وقد أعطانا -سبحانه وتعالى- القدرة على الاختيار، والقدرة على التنفيذ؛ فنحن نختار ونعمل، ولا ندري ما الذي كتبه الله لنا.

ولهذا نحن مأمورون بالعمل بالأسباب التي نعلمها، وهذا هو التصرف الطبيعي للإنسان في أموره المعيشية كلها، فهو يأكل عندما يجوع، ولا يرضى بأن يترك الأكل بسبب أنه إن كان سيحيا فقد كتب الله تعالى ذلك، فلا حاجة إلى الأكل، وإن كان سيموت فإنه سيموت وإن أكل، ولا يرضى بهذا المنطق وبهذا الطرح؛ لأنه يعلم أن أكله سببٌ من الأسباب للحفاظ على وجوده وبقائه، وكذلك يشرب عند العطش، وكذلك إذا أراد الذُّريَّة والأولاد يتزوج، وإذا نزل به مرض يتداوى، وهكذا في أموره المعيشية كلِّها، فلماذا يتناقض الإنسان أحيانًا في مثل هذه الأمور؟ الجواب: أنه يتناقض بسبب وجود خلل في تفكيره، ووسوسة الشيطان له.

نحن مأمورون بالأخذ بالأسباب؛ فالله تعالى قدّر المقادير وجعل لها أسبابًا، وأمرنا بالأخذ بأسباب المقادير النافعة، فنحن نأخذ بالأسباب لجلب المصالح النافعة، ونأخذ بالأسباب لدفع المفاسد الضارة، ثم نَكِل النتائج إلى الله تعالى، معتقدين أنه لن يقع في هذا الوجود إلَّا ما أراده الله وكتبه في اللوح المحفوظ، ولكن هذا المكتوب غيب لا نعلمه، ولا يصح الاحتجاج بهذا المكتوب لترك العمل والتسبُّب، وقد جاء الأمر بالأخذ بالأسباب في نصوص كثيرة من كتاب الله تعالى، ومن أحاديث رسوله الكريم ﷺ، سواء للوصول إلى الأرزاق الدنيوية أو للوصول إلى الأرزاق الأخروية، فالجنة جعل الله تعالى العمل الصالح سببًا لدخولها، ويقول لأهلها يوم القيامة: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24]، وكذلك الأرزاق الدنيوية أيضًا مربوطة بأسبابها، فهذا هو الجواب الصحيح عن سؤال القدر، وهو جواب سهل، وينسجم مع العقل والواقع.

وأما السؤال عن حكمة الله تعالى في أفعاله وتصرفاته وتدبيره -سبحانه وتعالى- لخلقه، فهذا السؤال قد يُدرك الإنسان بعضه أحيانًا على شكل صحيح، وقد لا يدرك، ولا ينبغي الإكثار منه والتنطع فيه، ونصيحتنا لكِ -ابنتنا الكريمة-: أن تصرفي ذهنك عن التفكُّر في الأشياء التي لا منفعة فيها، وأن تأخذي بالأسباب للوصول إلى الأقدار والأرزاق النافعة.

فإذا سلكتِ هذا الطريق وصبرتِ عليه، وصرفتِ ذهنك عن الوساوس والأوهام، واستعذتِ بالله -سبحانه وتعالى- فبإذن الله ستتخلصين من هذا الوهم وهذه الشكوك، عن قريب.

نسأل الله تعالى أن يوفقكِ لكل خير، وأن يصرف عنكِ كل سوء ومكروه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً